عن نافع، خرَّج حديثه أبو داود (١) أيضًا. وروي أيضًا عن مالك وعبد الله العمري عن نافع، إلا أنه لا يثبت عنهما. فإن قيل: قد قال أبو داود: هذا حديث منكر. قيل: هذا يوجد في بعض نسخ السنن مع الاقتصار عَلَى رواية سليمان بن موسى، ولا يوجد في بعضها. وكأنه قاله قبل أن يتبين له أن سليمان بن موسى تُوبع عليه، فلما تبين له أنه تُوبع عليه رجع عنه.
وقد قيل للإمام أحمد: هذا الحديث منكر؟ فلم يصرح بذلك ولم يوافق عليه، واستدل الإمام أحمد بهذا الحديث.
وإنما لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه؛ لأنّه لم يكن مستمعًا بل سامعًا، والسامع من غير استماع لا يُوصف فعله بالتحريم؛ لأنّه عن غير قصد منه، وإن كان الأولى له سد أذنيه حتى لا يسمع. ومعلوم أن زمارة الراعي لا تهيج الطباع للهوى، فكيف حال ما يُهيج الطباع ويغيرها ويدعوها إِلَى المعاصي؟! كما قال طائفة من السَّلف: الغناء رُقية الزنا.
ومن سمع شيئًا من الملاهي وهو مار في الطريق أو جالس فقام عند سماعه فالأولى له أن يدخل أصبعيه في أذنيه كما في هذا الحديث.
وكذلك روي عن طائفة من التابعين أنهم فعلوه، وليس ذلك بلازم، وإن استمر جالسًا وقصد الاستماع كان محرمًا، وإن لم يقصد الاستماع بل قصد غيره، كالأكل من الوليمة أو غير ذلك، فهو محرم أيضًا عن أصحابنا وغيرهم من العُلَمَاء، وخالف فيه طائفة من الفقهاء.
فإن قيل: فلو كان سماع الزمارة محرمًا لأنكرهُ النبي ﷺ عَلَى من فعله، ولم يكتف بسد أذنيه، فيحمل ذلك عَلَى كراهة التنزيه وقد نقل ابن عبد الحكم هذا المعنى بعينه عن الشافعي ﵀، كما ذكره الآبرِّي في كتاب "مناقب الشافعي ﵁"؟ قيل: الشافعيّ ﵀ لا يبيح استماع آلات الملاهي، وابن عبد الحكم ينفرد عن الشافعي بما لا
_________
(١) برقم (٤٩٢٦). قال أبو داود: وهذا أنكرُهَا.
2 / 453