وتحديد المغرب برا وبحرا، وذكر بلدان المغرب وخواصها وسكانها، ومساحة ما بينها، مع ذكر أهل الفضل من العلماء والصالحين بخصوص صفاقس من الماضين والحاضرين، وذكر أحوالها مع ذكر ما تيسّر من فضلاء غيرها على سبيل الإختصار، فرأيت فيما دون ما طلب خرط القتاد سيّما من مثلي ممن لا مادة له في تعاطي هذا الخطب العظيم الشأن، ومع ذلك فلست أعد نفسي أهلا لأن أكون من فرسان هذا الميدان، وأحرى وأنا في بلد مطروح في زوايا الإهمال لإقبال أهله على تحصيل الدينار والدرهم والسعي على العيال، ولم يعتن الماضون بضبط أحوالها إلاّ بقدر ما (١٠) ليس له بال. فأكّد علي السائل الطلب، وصار لي كالغريم الممطول، ومدافعتي له كالفضول. فتصفحت ما لدي من المادة فإذا هي بضاعة مزجاة، وقد جرف الطاعون من بلدنا من كنا نعده من الرواة، ورأيت أنه لا يصلح لهذا الأمر إلاّ الوزراء وأرباب الدول الذين يتقلّبون في ظلال الملوك والسلاطين، ويطالعون خزائنهم المحتوية على مادة التواريخ ويتدارسونها كل وقت وكل حين، وتتصرف على أيديهم حوادث العصر والأوطان، ووقائع السلاطين والبلدان، فأحجمت عما سئلت إحجام العاجز الكليل، وتقاعست عن التقدم لهذا الخطب الجسيم، إلاّ أن السائل حسب أن كل بيضاء شحمة وكل سوداء (١١) تمرة، وظن أن هذا الأمر عندي على طرف اللثام (١٢)، وأنه مما يقال في أيسر أيام. فجعل يكرر السؤال المرة بعد المرة، وأنا أتعلل في كل كرة، فشبهت حاله معي بحال الطفل الصغير، إذ يظن أن أباه على كل شيء قدير. ولما لم ينفع التعلل والمدافعة بالتي هي أحسن وأوفق. قلت: «أدفع السائل بظلف محرق». فعزمت على إسعافه بقدر الطاقة، وتوكّلت على الله، وطلبت منه الإعانة والتّوفيق، فإنه بتحقيق الأمنية حقيق، وبيده أزمّة (١٣) التّحقيق. وكتبت ما تيسر لي وإن كان شيئا يسيرا، لكنه بالنسبة لأمثالي قد يعده المنصف خيرا من الله كثيرا. والمرغوب من ذوي الفضل والكرم أن يعاملوني بالفضل والرضا والسماح، لا بالسخط والإفتضاح. ولله در القائل:
[طويل]
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
[طويل]
فقلت لهم لا تنسوا الفضل بينكم ... فليس ترى عين الكريم سوى الفضل
_________
(١٠) في ت: «إلاّ ما قدر هما»، وفي ط وش: «إلاّ مما قدره»، والتّصويب من عندنا ليستقيم المعنى.
(١١) كذا في ط، وفي ت: «أسود»، وفي ش: «سواد».
(١٢) ما على الفم من النقاب، تاج العروس ٩/ ٥٥.
(١٣) في ط: «أزمنة».
1 / 37