فبلغت الأبيات الوزير أبا محمد الحسن بن محمد بن هارون المهلبي، فأمر بها فلحنت، وغني بها، فلم يزل يشرب عليها بقية يومه.
وكان أبو فراس حسن الشعر جيد النمط، لقوله من الحلاوة، وعليه من الطلاوة ما يشهد به ما أنشد له: وكان أبو القاسم الصاحب يقول: بدئ الشعر بملك، وختم بملك، بدئ بامرئ القيس وختم بأبي فراس.
كتب إلى سيف الدولة وقد قفل من غزاة: كتابي أطال الله بقاء مولاي الأمير من منزلي وقد وردته ورود السالم الغانم موقر الظهر والظهر وقرًا وشكرًا. فاستحسن سيف الدولة بلاغته، فقال أبو فراس:
هل للسماحة والفصا ... حة والعلا عني محيد
إذ كنت والدي الذي ... خرجتني وأبي سعيد
في كل يوم أستفي؟ ... د من العلاء وأستعيد
ويزيد فيّ إذا رأي؟ ... تك في الندى خلق جديد
وقال:؟لنا بيت على طنب الثريا=بعيد مذاهب الأكناف سام
تظلله الفوارس بالعوالي ... وتفرشه الولائد بالطعام
وقال:
ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني ... ليست مؤاخذة الخلان من شاني
يجني الصديق فأستحلي جنايته ... حتى أدل على عفوي وإحساني
ويتبع الذنب ذنبًا حين يعرفني ... عمدًا فأتبع غفرانًا بغفران
يجني علي فأحنو صافحًا أبدًا ... لا شيء أحسن من حانٍ على جانِ
وقال:
فوالله ما أضمرت في الحب سلوة ... ووالله ما حدثت نفسي بالصبر
وإنك في عيني لأبهى من الغنى ... وإنك في قلبي لأحلى من النصر
فيا حكمي المأمول ملت مع الهوى ... ويا ثقتي المأمون خنت مع الدهر
وقال:
لبسنا رداء الليل والليل راضع ... إلى أن تردى رأسه بمشيب
وبتنا كغصني بانة عطفتهما ... مع الصبح ريحا شمأل وجنوب
إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه ... مبادي نصول في عذار خضيب
فيا ليل قد فارقت غير مذمم ... ويا صبح قد أقبلت غير حبيب
وقال:
لا غرو إن فتنتك باللح ... ظات فاترة الجفون
فمصارع العشاق ما ... بين الفتور إلى الفتون
فاصبر فمن شيم الهوى ... صبر الضنين على الظنين
كتب شمس المعالي إلى وكيل له بالري يعرف بأبي الفرج عبد السلام بن محمد كتابًا دعاه الإعجاب به إلى أن أوقف عليه كافي الكفاة وتاج الولاة أبا القاسم بن إسماعيل بن عباد الصاحب، فأطنب الصاحب في وصفه وتقريظه، فكتب عبد السلام إلى شمس المعالي بذلك فأجاب: أما إعجاب الفاضل بالفصول التي عرضتها عليه، ورفعتها إليه، فلم يكن ذلك مما يحسبه إلا لخلة واحدة، وهي أنه وجد فنًا في غير أهله فاستبدعه، وفرعًا في غير أصله فاستشنعه، فقد يستعذب الشريب من منبع الزعاق ويستطاب النحيب من مخرج النهاق، ولكنك فيما أقدمت عليه، من بسط اللسان بحضرته وإرخاء العنان بمشهده، كمن حاسن بقباحته القمر، وخاشن بوقاحته الحجر، ولا كلام فيما مضى، ولا عتب فيما اتفق وجرى.
فأجاب الصاحب: قرأت الفصل الذي تجشمه جامع هزة العرب إلى عزة العجم، وناظم صليل السيف إلى صرير القلم، فحرت في محاسن خط، لا البرد الوشيع معتلق ذيلها، ولا الروض المريع نائل نيلها، وعقائل لفظ إن نعتها فقد غبنتها، وإن وصفتها فما أنصفتها، والله يمتعه بالفضل الذي استعلى على عاتقه وغاربه، واستولى على مشارقه ومغاربه، ولم يكن استحساني مما رأيت، وإعجابي بما رويت، استغرابًا لمنبعه، ولا استبداعًا لمطلعه، بل لأنه شريف في جنسه، نفيس في نفسه، وقد حفظت ذلك الفضل، حيث سواد الناظر وأعز، وبسويداء القلب وأحرز، وعسى أن ينجز الدهر وعدًا، فيعود التعارف ودًا، فقد سمعت بالبعيد القريب، وفرحة الأديب بالأديب، وما إلى ذلك على الله بعزيز.
1 / 31