لا يستطيع المجتمع أن يدعو جميع أعضائه في كل دعوة، وإنما هناك دائما نوع من الاختيار، والذي دعي هذه المرة عند فلان يستطيع فلان آخر ألا يدعوه في المرة اللاحقة.
إن أي بيت من البيوت، التي تصطنع هذه الدعوات لا تستطيع أن تحتمل أكثر من عدد معين، يمثل على أحسن تقدير عشر هذا المجتمع، أو واحدا على عشرين منه.
ولكن مهما تكن الدعوات قليلة، ومهما يكن البيت صغيرا فلا بد أن تتصدر الليلة ناهد فكري.
أي سحر فيها؟
إنها جميلة، لا شك في ذلك، ولها هذا العطر السحري الذي يجتذب العيون والقلوب؛ فهو عطر ممزوج بجسمها، تكون معها وهي بعد جنين، لا تشتريه ولا يستطيع أحد أن يشتريه، فيه هذه الخاصية التي لم يستطع أحد أن يكشف سرها، وإنما هي تأسر في غير عقل، وتستولي على المشاعر في غير منطق، وكل ما عليها من عطور وملابس، وما صنعه البشر بشعرها من تلافيف أو بوجهها من زينة؛ لا قيمة له مع هذا العطر الذي منحته لها الطبيعة، والذي لا يعرف أحد مأتاه، والذي نحمد الله أن أحدا لا يعرف مأتاه، وإلا أصبح الرجال، جميع الرجال، عبيدا أو مجانين، وأصبحوا جميعا - ولا شك في هذا - عصاة.
ولكن أهذا العطر هو الذي يجعلها تتصدر الحفلات جميعا؟ كيف؟ إذا قبلنا ذلك في الحفلات التي يقيمها الرجال، فكيف بنا أن نقبله في الحفلات التي تقيمها النساء؟ إنها هناك مهما يكن جنس الداعي؛ رجلا كان أو كانت امرأة، عجوزين كانا أو كانا من الفتيان.
وهذا السحر فيها تمتاز به اثنتان أو ثلاث فتيات أخريات، وهن أيضا يستقبلن الدعوات، وحين يجتمعن ينشق الحفل عن مباراة في الجمال والأنوثة، لا يهم أحدا من الكاسب فيها ومن الخسران، فالمؤكد أن المدعوين جميعا هم الكاسبون.
ولكن أولئك الفتيات كثيرا ما تؤجل دعوتهن، وكثيرا ما تخلو منهن الحفلات إلا ناهد. إنها دائما هناك، هذا هو العجب.
والمجلات تتابع هذا المجتمع في إصرار، وما زالت تتابعه. لم تستطع ثورة حطمت كل المعايير والمقاييس والقيم القديمة أن تحطم أهون ما في هذا المجتمع من متابعة المجلات لأخبار الصالونات.
وقد هشمت الثورة من كان يؤم هذه الصالونات، ولكنها في نفس الوقت أخرجت للصالونات قوما آخرين.
Página desconocida