كان «راشد» براشديه يحس أنه حر، وأن لديه من المال ما يكفيه لإرضاء نفسه، فيرضي بها الراشدين جميعا.
كان المال عنده وسيلة يحقق بها ما تصبو إليه نفسه، سواء كان هذا الذي تصبو إليه مرحا ومتعة، أم كان تعاظما ووقارا، فملبسه دائما أفخم ملبس، وأثاث منزله أعظم أثاث، وسيارته أحدث طراز.
والمال متعة لا مثيل لها ما دام عند صاحبه وسيلة لغاية.
والمال نقمة لا تماثلها نقمة إن أصبح هو في ذاته غاية لا وسيلة، وهدفا لا طريقا، وأملا لا سبيلا لأمل.
أي شيطان ركبه فجعله يظن أنه ينبغي له أن يترك لابنه مالا أكثر مما يملك.
لقد أحس فجأة أنه لا بد له أن يضاعف الثروة التي ورثها؛ حتى يرضي ابنه هذا الذي ما زال في سنوات الرضاع.
أصحيح أحس بهذا، أم تراه هيأ لنفسه أن يحس هذا الإحساس؟ هل يقلب الأبناء آباءهم رأسا على عقب؟
أيمكن لهذا الطفل الذي يلوح طيفا قادما على المستقبل لم تكتمل معالم وجهه أو جسمه، مشروع الإنسان هذا، يستطيع أن يقلب شخصا في جبروت راشد، وفي اكتمال عناصره من شخص يريد المال ليستمتع به إلى شخص يريد المال للمال؟! أنا لا أصدق. أغلب الظن أنها رغبة خفية في نفسه تبحث لها عن باب يبدو مشروعا، لتنقلب حقيقة، ولتجعل من صاحبها الذي عاش سيدا للمال عبدا من عبيد المال. فالذي يريد المال ليعيش به يظل سيدا لماله ولزمنه، فإذا أصبح المال في ذاته هو الغاية لذاته لا لما يحققه لصاحبه من عيش رغيد؛ ينقلب المال حينئذ سيدا شرها قاسيا جبارا متسلطا بلا رحمة؟ ومن أين الرحمة وهو جماد بلا عاطفة ؟ ومن أين وهو هو أكبر أعدائه العاطفة، وباسمه هذا المادي تسمت كل المذاهب البعيدة عن روحانية البشر وعن إنسانية الإنسان؟ إنه يمثل الجانب الصلب الحاقد البشع في البشرية جميعا.
أكان راشد في دخيلة نفسه يريد الغنى للغنى، وليمتع نفسه بمتعه الظاهرة والخافية، حتى إذا جاء أسامة بدا ما كان يخفيه؟
من يستطيع أن يقول؟ علماء النفس هؤلاء أبعد الناس عن معرفة النفس، وشر ما يخادع النفس نفس وصاحبها؛ تلهو به، وتعميه عن حقائقه، وتجليه عن مواقفه من الحياة، ويظن بذاته غير حقيقة ذاته، ويمضي إلى مسالك من الحياة لا تطيقها نفسه ولم تهيئه لها. فهو، ما عاش، متخبط وإن ظن بنفسه العلم والثبات، فإن صادفه شيء من النجاح ظن أنه عرف الطريق، وهيهات هيهات أن يعرف. فإن كان ذلك الفيلسوف قد طلب إلى الإنسان أن يعرف نفسه في كلمتين «اعرف نفسك» كأنهما بديهية من البديهيات، فقد كان يدري أو لعله لم يكن يدري أنه بهاتين الكلمتين قد طلب إلى الإنسان أصعب ما تطلبه الحياة من الإنسان.
Página desconocida