Nothing New in the Rulings of Prayer
لا جديد في أحكام الصلاة
Editorial
دار العاصمة
Número de edición
الثالثة
Año de publicación
١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م
Ubicación del editor
المملكة العربية السعودية
Géneros
ـ[لا جديد في أحكام الصلاة بزيَادَةِ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ ضَمِّ العَقِبَيْنِ في السُّجُود]ـ
المؤلف: بكر بن عبد الله أبو زيد بن محمد بن عبد الله بن بكر بن عثمان بن يحيى بن غيهب بن محمد (المتوفى: ١٤٢٩هـ)
الناشر: دار العاصمة - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الثالثة، ١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
Página desconocida
بسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
مُقَدّمَةُ الطّبَعةِ الثَالِثَة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى صحبه ومن اهتدى بهداه. ... أما بعد: فهذه هي الطبعة الثالثة لكتاب: «لا جديد في أحكام الصلاة» مع إضافات، وتصحيحات في مسائله السبع، وزيادة مسألة ثامنة وهي: «عدم مشروعية ضَمِّ العَقبين حال السجود». رأيت إعادة طبعها؛ لذلك، وَلِنفَادِ الطَّبْعَتين السابقتين، وحتى يتنّبه المعتنون بنصر السنة ومتابعة الدليل، أن لا يكون لهم «شَارَاتٌ وعَلاَمَاتٌ تَعَبُّدِيَّة» يَبْدُو التَّمَيُّزُ بِهَا، وَلاَ دَلِيْلَ عَلَيْها. والحمد لله، إذْ ظهر أثر هذه الرسالة، فَتَخَلَّصَ مناشدو الحق من هذه الشارات، التي لا دليل عليها، واختفت فتنة التشنيع على من لم يفعلها من مساجدنا، وانتشر في الناس
1 / 5
التثبت عند الاتباع من صحة الدليل، والأخذ بغرز العلماء المتثبتين الموثوقين، والتوقِّي من شارات التفريق بين المؤمنين، والحمد لله رب العالمين.
المؤلف
بكر بن عبد الله أبو زيد
في مصيف عام ١٤١٨ بالطائف
1 / 6
بسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
المقَدّمَة
الحمد لله رَبِّ العالمين، وأَشهد أَن لا إله إلا الله الحق المبين، وأَشهد أَن محمدًا عبده ورسوله ونبيه الأَمين صلى الله وسَلَّم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إِلى يوم الدِّين.
أَما بعد: فمن نعم الله علينا وعلى عموم المسلمين انتشار السنة، والعمل بها، مع احترام أَئمة العلم الهداة في القديم والحديث، والتخلص من التعصب الذميم. لكن قد يَجْنَحُ المستدل فَيُغْرِقُ في الاستدلال، وقد يَشْتَطُّ فَيَبْتَعِدُ عن مدارك الأَحكام، وقد يحصل الغلط، والوهم، والاشتباه في الفهم. وَقَدْ غَلِطَ الكبار في فهم بعض السنن. وَلاَ لَوْمَ وَلاَ عِتَاب. ولهذا حرر المحققون: أَن «تراجم المحدِّثين» (١) على السنن ليست حجة عليها، بل الحجة في الحديث والسنة.
إِذ المُتَرْجِمُ قد يُصيب وقد يُخطئ، وإن كان خطؤهم
_________
(١) انظر: «إحكام الأَحكام» لابن دقيق العيد: (١/ ٢٩٣ - ٢٩٦)، و«إغاثة اللهفان» لابن القيم: (٤/ ٨٩).
1 / 7
قليلًا جدًا، وهذا كالشأْن في فقهيات المذاهب، فالدَّليل حجة عليها، لا العكس. وإِذا كانت هذه أَخطاء تكون لدى أَهل العلوم كافة: مفسرين. محدِّثين. فقهاء. مؤرخين. لسانين. أُدباء. والتنبيه عليها محمدة في الإِسلام، ومنقبة لأَهل العلم والإيمان، فَلاَ ضَيْرَ وَلاَ مَلاَم إِذا رأَينا شيئًا من هذا لدى بعض أَهل عصرنا فحصل التنبيه عليه، ولا يأْنف من قبول الحق إِلا «عَائِلٌ مستكبر».
فأَقول: كُنَّا نَرَى من ينتصر لقول شاذ، فَيُظْهِرهُ وَيَسْتَدِل لَهُ، ويدعو إِليه، أَو يأْخذ برخصة فيها غثاثة فيُشهرها ويبذل جهودًا في سبيل تعميمها وإِبلاغها. وقد كفانا العلماء مؤونة الرد بالتقعيد الناهي عن حمل «شاذ العلم وغثاثة الرخص» (١). لكن في المعاصرة بدت مفاهيم بين الواجب والمستحب، في العبادات الظاهرة المتكررة، والشعائر المعظمة، لا عهد
للعلماء بها منذ صدر الإِسلام حتى عصرنا، وإِن تنزلنا ففي بعضها قول مهجور على مدى القرون، وكفى
_________
(١) بسطت هذا في: المبحث الثالث من كتاب: «التعالم».
1 / 8
خطأً بقولٍ: خُرُوْجُهُ عن أَقوال أَهل العلم (١).
وكان فيما بدا: أَعمال، وحركات، وهيئات، وصفات في ركن الإِسلام العملي الأَعظم بعد الشهادتين: «الصلاة»، أَبْرَزَتِ المصلي في بعضها: في حال من «التكلف» والله تعالى يقول عن نبيه محمد ﷺ: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾، ويقول: النَّبيُّ ﷺ: «بعثت بالحنيفية السمحة».
وفي حال من «التحفز»، والصلاة: خشوع وانكسار من العبد بين يدي ربه ومعبوده ﷾.
وفي بعضها استدراك على أُمة محمد ﷺ في هجر هذه السنة وَفَوَات العمل بها منذ صدر الإِسلام حتى ظهر القول بها في عصرنا.
وفي هذا تأْثيم لأُمَّة محمد ﷺ. وكثيرًا ما تكون هذه الفهوم المغلوطة، من التَّوَغُّلِ في
فهم السنن تارة، وعدم الالتفات إِلى المعاني والأُصول اللسانية، والحديثية والفقهية تارة أُخرى، وهذا من خطر التجريد في دليل التقرير، والغفلة عن سُنَّةِ الوسطية والاعتدال في الصلاة، والإِعراض عن كتب الفقه والخلافيات للوقوف على علل الأَحكام ومداركها، وخلافهم فيها.
_________
(١) «تفسير ابن جرير»: (١١/ ٥٥).
1 / 9
وما الحامل على هذه التنبيهات إِلاَّ المحبة للسنة وأَهلها، ودفع ما ليس منها عنهم وعنها، وحتى لا يتشفى بهم كل مبتدع، ولا يبلغ مأْربه منهم كل متقول، وهي تنبيهات لا تنقص من أَقدارهم، ولا تحط من فضلهم في إِحياء السنن، والعمل بها. فإِلى بيان بعضها:
1 / 10
١ - منها إحداث هيئة في المصافة للصلاة:
في «تسوية الصف» ثلاث سنن:
١ - استقامة الصف، وإِقامته، وتعديله، بحيث لا يتقدَّم صدر أَحد ولا شيء منه على من هو بجنبه، فلا يكون فيه عِوَج.
ومن ألفاظ التسوية للصف:
«استووا»، «اعتدلوا»، «أَقيموا الصف». . .
وتُضبط استقامة الصف بالأَمر بالمحاذاة بين الأَعناق والمناكب، والركب، والأَكعب.
وظاهرٌ من هديه ﷺ تناوب هذه الأَلفاظ.
٢ - سَدُّ الخَلَلِ، بحيث لا يكون فيه فُرَج.
ولهذا من الأَلفاظ: «سُدُّوا الخلل»، «لا تذروا فرجات للشيطان». . .
وضبط هذه السنة بالتراص: «تراصُّوا». . .
٣ - وصل الصف الأَول فالأَول وإِتمامه.
وله من الأَلفاظ: «أَتموا الصف الأَول فالأَول»، «من وصل صفًا وصله الله ومن قطع صفًا قطعه الله». . .
وبين ذلك سُنَنٌ - وهي من السنن المهجورة -: مثل الدعاء
1 / 11
والاستغفار للصف المتقدِّم ثلاثًا، ثم من يليه مرتين.
وإِتيان الإِمام إِلى ناحية الصف لتسويته، وإِرسال الرجال لتسوية الصفوف إِلى غير ذلك من الهدي النبوي في سبيل تحقيق هذه السنن الثلاث للصف. استقامته، وَسَدِّ خَلَلِه، وإِتمام الأَول فالأَول.
وكل هذا يدل على ما لتسوية الصفوف من شأْن عظيم في إِقامة الصلاة، وحُسْنِها، وتمامها، وكمالها، وفي ذلك من الفضل والأَجر، وائتلاف القلوب واجتماعها، ما شهدت به النصوص. وقد تميزت هذه الأُمة المرحومة، وخُصَّت بأَن صفوفها للصلاة كصفوف الملائكة، فالحمد لله رب العالمين.
ومن الهيآت المضافة مُجَدَّدًا إِلى المصَافَّة بِلاَ مُسْتَنَد: ما نراه من بعض المصلين: من ملاحقته مَنْ عَلَى يمينه إِن كان في يمين الصف، ومن على يساره إِن كان في ميسرة الصف، وَلَيِّ العقبين لِيُلْصِقَ كعبيه بكعبي جاره.
وهذه هيئة زائدة على الوارد، فيها إِيغال في تطبيق السُّنَّةِ. وهي هيئة منقوضة بأَمرين: الأَول: أَن المصافة هي مما يلي الإِمام، فمن كان على
1 / 12
يمين الصف، فَلْيُصافَّ على يساره مما يلي الإِمام، وهكذا يتراصون ذات اليسار واحدًا بعد واحد على سمت واحد في: تقويم الصف، وسد الفُرج، والتراص والمحاذاة بالعنق، والمنكب، والكعب، وإِتمام الصف الأَول فالأَول.
أَما أَن يلاحق بقدمه اليمنى - وهو في يمين الصف - من عَلَى يمينه، وَيَلْفِت قَدَمَهُ حتى يتم الإِلزاق؛ فهذا غلط بَيِّن، وتكلف ظاهر، وفهم مستحدث فيه غُلُوٌّ في تطبيق السنة، وتضييق ومضايقة، واشتغال بما لم يُشرع، وتوسيع للفُرج بين المتصافين، يظهر هذا إِذا هَوَى المأْموم للسجود، وتشاغل بعد القيام لملأ الفراغ، ولي العقب للإِلزاق، وَتَفْويتٌ لِتوجيه رؤوس القدمين إِلى القبلة (١).
وفيه ملاحقة المصلي للمصلي بمكانه الذي سبق إِليه، واقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق. وكل هذا تَسَنَّنٌ بما لم يُشرع.
الثاني: أَن النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا أَمر بالمحاذاة بين المناكب والأَكعب، قد أَمر أَيضًا بالمحاذاة بين «الأَعناق» كما في حديث أَنس ﵁ عند النسائي (٨١٤).
_________
(١) انظر: «فتح الباري»: (٢/ ٣٤٤)، باب: «يستقبل بأطراف رجليه القبلة»، أي: في السجود.
1 / 13
وكل هذا يعني: المصافة، والموازاة، والمسامتة، وسد الخلل، ولا يعني العمل على «الإِلزاق» فإِن إِلزاق العنق بالعنق مستحيل، وإِلزاق الكتف بالكتف في كل قيام، تكلف ظاهر. وإِلزاق الركبة بالركبة مستحيل، وإِلزاق الكعب بالكعب، فيه من التعذر، والتكلف، والمعاناة، والتحفز، والاشتغال به في كل ركعة، ما هو بيِّن ظاهر. فتنبين أَن المحاذاة في الأَربعة: العنق. الكتف. الركبة. الكعب: من بابة واحدة، يُراد بها الحث على إِقامة الصف والموازاة، والمسامتة، والتراص على سمت واحد، بلا عوج، ولا فُرج، وبهذا يحصل مقصود الشارع.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - (١): (والمراد بتسوية الصفوف: اعتدال القائمين فيها على سمت واحد، أَو يراد بها سد الخلل الذي في الصف. . .).
وهذا هو فقه نصوص تسوية الصفوف، كما في حديث النعمان بن بشير ﵁ قال: «كان النَّبِيُّ ﷺ يسوينا في الصفوف كما يُقوم القِدْح حتى إِذا ظن أَن قد أَخذنا ذلك عنه وفقهنا أَقبل ذات يوم بوجهه إِذا رجل مُنْتَبِذٌ بصدره فقال:
_________
(١) «فتح الباري»: (٢/ ٢٤٢).
1 / 14
لتسون صفوفكم أَو ليخالفن الله بين وجهكم» رواه الجماعة إِلاَّ البخاري، واللفظ لأَبي داود (رقم / ٦٤٩). فهذا فَهْم الصحابي ﵁ في التسوية: الاستقامة، وسد الخلل، لا الإِلزاق وإِلصاق المناكب والكعاب.
ولهذا لما قال البخاري - رحمه الله تعالى - في «صحيحه»: «باب إِلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف. وقال النعمان بن بشير، رأَيت الرجل منا يلزق
كعبه بكعب صاحبه».
قال الحافظ ابن حجر (١): (والمراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وَسَدِّ خَلَلِه) انتهى. والدليل على سلامة ما فهمه الحافظ من ترجمة البخاري - رحمه الله تعالى - أَن قول النعمان بن بشير ﵁ المُعَلَّق لدى البخاري - رحمه الله تعالى - وَوَصَلَهُ أَبو داود في «سننه» برقم (٦٤٨)، وابن خزيمة في: «صحيحه» برقم (١٦٠)، والدارقطني في: «سننه» (١/ ٢٨٢)، في ثلاثتها قال النعمان بن بشير -: «فرأيت الرجل يُلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة
_________
(١) «فتح الباري»: (٢/ ٢٤٧).
1 / 15
صاحبه، وكعبه بكعبه» انتهى لفظ أَبي داود. فإِلزاق الركبة بالركبة متعذر، فظهر أَن المراد: الحث على سد الخلل واستقامة الصف وتعديله، لا حقيقة الإِلزاق والإِلصاق.
ولهذا قال الخطابي - رحمه الله تعالى - في معنى ما يُروى عن ابن عباس ﵄ قال: قال
رسول الله ﷺ: «خياركم أَلينكم مناكب في الصلاة» رواه أَبو داود وقال: جعفر ابن يحيى من أَهل مكة.
قال الخطابي ما نصه (١): (ومعناه لزوم السكينة في الصلاة، والطمأْنينة فيها، لا يلتفت ولا يحاك منكبه منكب صاحبه. ثم ذكر وجهًا آخر في معناه) انتهى.
وقال المناوي - رحمه الله تعالى - في معناه (٢): «ولا يُحاشر منكبُهُ منكبَ صَاحِبه، ولا يمتنع لضيق المكان على مريد الدخول في الصف لِسَدِّ الخلل) انتهى.
وانظر إِلى أَلفاظ الرواة في بيان صفة التورك في الصلاة ففي حديث أَبي حميد الساعدي ﵁ قال: «وَقَعَدَ عَلَى مقْعَدَتِهِ».
_________
(١) «معالم السنن» وعنه في: «عون المعبود»: (٢/ ٣٦٩).
(٢) «فيض القدير»: (٣/ ٤٦٦).
1 / 16
وهذا من باب إِطلاق الكل وإِرادة البعض؛ فإِنَّه يتعذَّر على المتورك تمكن شقيه من القعود على الأَرض. ولهذا جاءت أَلفاظ هذا الحديث الأُخرى بما يفيد ذلك
منها:
«قعد على شِقِّه الأَيسر».
«أَفضى بوركه اليسرى إِلى الأَرض».
«جلس على شقه الأَيسر متوركًا».
ولهذا فإِنَّه لا يمكن لعاقل أَن يأْتي مستنبطًا من لفظ: «فقعد على مقعدته» حال التورك: مشروعية تمكين شِقيه من الأَرض؛ لتعذره طبعًا وعقلًا، كالشأْن في أَلفاظ المحاذاة على ما تقدم سواء.
وانظر إِلى أحاديث فضل الصلاة أَوَّلَ وقتها، فإِنَّه كما قال ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى - في «الإِحكام»: (٢/ ٣٨): (ولم يُنقل عن أَحد منهم أَنَّه كان يُشَدِّدُ في هذا، حتى يوقع أَول تكبيرة في أَول جزء من الوقت) انتهى. والله تعالى أَعلم بأَحكامه.
1 / 17
٢ - ومنها: وضع اليدين على النحر تحت الذقن:
ثبت هدي النَّبي ﷺ بوضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة من حديث سهل بن سعد الساعدي ﵁ في «صحيح البخاري»: (٧٤٠)، و«الموطأ»: (٢٠/ ٧٤ تمهيد) وغيرهما. ومن حديث وائل ﵁ في «صحيح مسلم»: (١/ ٣٠١) وغيره، ومن حديث غيرهم عند غيرهم من أَصحاب السنن الأَربع وغيرها. كما هي مخرجة في: «فتح الغفور» للسندي ت ١١٦٣هـ - رحمه الله تعالى -.
وقال ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - في «التمهيد»: (٢٠/ ٧٤): (لم تختلف الآثار عن النَّبي ﷺ في هذا الباب، ولا أَعلم من أَحد من الصحابة في ذلك خلافًا إِلاَّ شيء رُويَ عن ابن الزبير أَنه كان يُرسل يديه إِذا صلى، وقد رُويَ عنه خلافه مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْه، وذلك قوله ﷺ: وضع اليمين على الشمال من السنة، وعلى هذا جمهور التابعين، وأَكثر فقهاء المسلمين من أَهل الرأي والأَثر. . .) انتهى.
1 / 18
وقال الترمذي - (٢/ ٨٢ تحفة) ونحوه البغوي في «شرح السنة» (٣/ ٣٢): (والعمل على هذا عند أَهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. . .) انتهى. فالخلاف في «الإِرسال» لم يرد به حديث صحيح ويأْتي. وإِنَّما الخلاف في محل الوضع من الجسد، ويمكن تصنيف الأَقوال والأَلفاظ الواردة، وَذِكْرها هًنَا على سبيل التدلي من: القول بوضعهما عند النحر، إِلى القول بوضعهما تحت السرة، فالتخيير، مع الإِشارة إِلى عمدة ما يتمسك به لكل قول ولفظ منها، ومنزلته صحةً وضعفًا، ومن قال به، حتى تأْنس النفس بمعرفة منزلة هذه الهيئة: «وضعهما على النحر تحت الذقن». فإِلى بيانها:
١ - عند النحر: رُويَ عن ابن عباس ﵄ في تفسير قول الله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾. رواه البيهقي: (٢/ ٣١) وعنه لدى عامة المفسِّرين عند هذه الآية، منها: «الدرر المنثور»: (٨/ ٦٥٠ - ٦٥١).
ولا يصح لحال روح بن المسيب الكلبي البصري، كما
1 / 19
في «المجروحين»: (١/ ٢٩٩). والمعتمد في تفسير هذه الآية بقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. صوّبه ابن جرير، وتبعه ابن كثير، وقال: (إِنَّه في غاية الحسن).
٢ - على الصدر: للشافعي - رحمه الله تعالى - في إِحدى الروايات عنه، ولم يقل بهذا غيره من الفقهاء الأَربعة، فهو مزية لمذهبه؛ لموافقته نَصَّ السنة.
نعم: ذكر رواية عن الإِمام أَحمد - رحمه الله تعالى - نادرة، كذا قال السندي - رحمه الله تعالى - في «فتح الغفور»: (ص٦٦).
لكن في «بدائع الفوائد»: (٣/ ٩٢) قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (قال في رواية المزني: أَسفل السرة بقليل، ويكره أَن يجعلهما على الصدر، وذلك لما رُوِيَ عن النَّبِيّ ﷺ أَنه: «نهى عن التكفير» وهو وضع اليد على
الصدر) انتهى. وهذا الحديث لم أَجده.
ولما ذكر ابن عبد البر - رحمه الله تعالى - في «التمهيد»:
1 / 20
(٢٠/ ٧٩) الرواية عن مجاهد - رحمه الله تعالى - بالكراهية قال: (ولا وجه لكراهية من كره ذلك؛ لأَن الأَشياء أَصلها الإِباحة، ولم ينه الله عنه ولا رسوله، فلا معنى لمن كرهه. هذا لو لم يرو إباحته عن النَّبِيّ ﷺ فكيف وقد ثبت عنه ما ذكرنا؟) انتهى.
الأَولى أَن يُقال في دفع الكراهية: الأَصل في العبادات التوقيف على النص، وَقَدْ ثَبَتَ.
وبها عمل إِسحاق بن راهويه، فقال المروزي في «المسائل»: (ص / ٢٢٢) (١): (كان إِسحاق يوتر بنا. . . ويرفع يديه في القنوت، ويقنت قبل الركوع، ويضع يديه على ثدييه، أَو تحت الثديين).
وظاهر اخيار الشيخين ابن القيم (٢)، والشوكاني (٣) - رحمهما الله تعالى - إِذ قال: (ولا شيء في الباب أَصح من حديث وائل المذكور، وهو المناسب لما أسلفنا من تفسير علي وابن عباس لقوله تعالى:
_________
(١) بواسطة: «صفة صلاة النَّبي ﷺ» للأَلباني. حاشية: (ص / ١١٦).
(٢) «إعلام الموقعين»: (٢/ ٤٠٠).
(٣) «نيل الأَوطار»: (٢/ ١٨٩).
1 / 21
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر﴾ بأَن النحر: وضع اليمنى على الشمال في محل النحر والصدر) انتهى. ومعلوم ضعف السند عنهما ﵄ بذلك ولم أَر لشيخ الإِسلام ابن تيمية في «محل الوضع» شيئًا، فالله أَعلم.
• الأَدلة:
• في حديث قبيصة بن هُلْب عن أَبيه ﵁: «رأَيت رسول الله ﷺ ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأَيته يضع يده على صدره».
رواه أَحمد: (٥/ ٢٢٦)، والترمذي: (٢/ ٣٢)، وابن ماجه: (١/ ٢٢٦)، وابن أَبي شيبة: (١/ ٣٩٠)، والدارقطني: (١/ ٢٥٨)،
والبيهقي (٢/ ٢٩، ٢٩٥)، والبغوي في «شرح السنة»: (٣/ ٣١).
وحسّنه الترمذي، وأَقره النووي في «المجموع»: (٣/ ٣١٢) وحسّنه لشواهده؛ لأَن في سنده: قبيصة، وهو إِن وثقه بعضهم لكن لم يرو عنه إِلاَّ: سماك بن حرب. وفي «التقريب» قال: مقبول.
• وفي حديث وائل بن حُجر ﵁: «أَنه رأَى النَّبِيَّ ﷺ يضع يمينه على شماله ثم وضعهما
1 / 22
على صدره».
رواه ابن خزيمة في «صحيحه»: (١/ ٢٤٣ رقم ٤٧٩)، والبيهقي: (٢/ ٣٠ - ٣١) من طريقين، أَحدهما مسلسل بعدد من الضعفاء وفيه انقطاع. والثاني: مؤمل بن إِسماعيل عن الثوري عن عصام بن كليب عن أَبيه عن وائل. ومؤمل: صدوق سيء الحفظ. وأَصل الحديث في «صحيح مسلم» وغيره بدون لفظ «الصدر».
وقد ذكر هذا الحديث الحافظ ابن حجر في كتبه: «الفتح» (٢/ ٢٦٢) وسكت عليه، ومقتضى شرطه في
«المقدمة / هدي الساري»: (ص / ٤) أَن ما سكت عليه في «الفتح» فهو صحيح أَو حسن. وسكت عليه في «بلوغ المرام»: (ص / ٥٣)، وفي «التلخيص»: (١/ ٢٢٤) وقد نبه السيوطي في «الحاوي»: (٢/ ٢١٢) إِلى شرط ابن حجر في ذلك.
وساقه محتجًا به ابن القيم في «إِعلام الموقعين»: (٢/ ٤٠٠) في آخرين.
وظاهر أَن حُسْنَهُ بشواهده.
على أَن ابن سيد الناس في «شرح الترمذي» قال: (وصححه ابن خزيمة)، كما في: «تحفة الأَحوذي»: (٢/ ٨٩)،
1 / 23