نعم يا مي إنني الآن على أجنحة اللهيب، ولكني لم أصل بعد إلى السماء، وإذا وصلتها فلن يعود العالم يراني؛ فهل يا ترى ستعجبني السماء؟! إني أشك في ذلك، إني أول ما حفظت من الشعر حفظت المراثي وأولها رثاء الأندلس، وكنت في حداثتي أقرأ كثيرا ديوان المتنبي وأعجب بروحه العالية وبنفسه الكبيرة، وأظنه هو الذي عداني في ذلك وسمم آرائي - رحمه الله - إني ألذ كثيرا بهذه العدوى ...
وقد قال لي أخي مرة بعد حديث كنت أشتكي له فيه الدنيا وأهلها، وأقول: «لعل الله يجزيني على هذا في آخرتي بالجنة.»
قال متهكما: «أنا واثق يا شقيقتي أن الجنة أيضا لن تعجبك؛ لأنه لا يكاد يسرك شيء.» أستغفر الله!
إنك يا مي خالفت المألوف في التمنيات والمجاملات الفارغة، وهي كثيرة وشائعة جدا الآن (بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة المسيحيين، قلت: «ابتسمي له» أي: لدعائك «إن شئت وإلا فلا تصغي ولا تسمعي واسأليني عما أهمس به لأجيبك أني أحمد الله على إبلالك وأني أسأله أن يديمك سالمة ... إلخ».)
لا يا عزيزتي، إني أكره الكذب والمجاملات الفارغة ولذلك أصغيت وسمعت وابتسمت (حسب أمرك)، وتسرني جدا صراحتك في الدعاء علي.
أتدرين يا مي أن ذلك اليوم الذي تمنيت لي فيه العذاب كان فيه عيد ميلادي أيضا، وأني تفاءلت خيرا بدعائك وافتتحت عامي الجديد بالضحك من تمنيك، وبصداقتي لك تبعا لذلك التمني المعكوس، أشكر لك يا عزيزتي أمانيك لي ورغباتك الصادقة، وأقر لك أني واقعة فيما رجوت لي والحمد لله، ولكن يا مي لا أتمنى المزيد؛ إنه عذاب طاهر لا يتعدى الميل إلى السكون والشعور بشيء من الحزن الشعري الجميل، ولكنه ولله المنة والشكر، لا تخامره شائبة من الندم ولا من الأسف الأثيم وأخشى أن يزيد ضرام النار التي طلبتها لي؛ فأحترق يا مي أو أصل إلى ذلك الذي لا أريده لنفسي ولا أظنك تريدينه لي.
الساعة المفقودة
عجيب يا سيدتي أنك تريدين عذابي وأنا أريد هناءك! أتدرين ماذا سألقيه عليك فيفرحك؟!
إني وجدت ساعتك المفقودة والتقطتها، رأيتك ترثينها بحرقة فجئت لأمسح دموعك؛ لأني أحب دائما أن أمسح دمعة المحزون، تعالي إلي لتأخذيها وتستغفريها من وصفك إياها بالغدر وبعدم الإحساس، فإنها أحسب بشوقي لرؤيتك فأتت تقدمة لمجيئك ولتعارفنا.
إنها بثت إلي ما كنت تشكينه إليها من العواطف والآلام، عثرت علي وعثرت عليها لنكفي قلبك شر الفناء من الوحدة، ولنؤكد لك أنك وجدت الصديقة التي لا تخون.
Página desconocida