قد يقول بعض الذين ينظرون إلى الأشياء مجردة أن الإسلام ارتقى في الماضي وما كان حجاب المرأة عقبة في سبيله، وهؤلاء لو نظروا إلى الاجتماع كما ينبغي أن ينظر إليه؛ أي: بنظر المقابلة، لعلموا أن المرأة كانت في تلك العصور متناسبة في الظلم في كل المعمورة، ولم يكن بينها هذا التباين الشديد الذي نراه الآن، فالمرأة الغربية لم تكن أفضل من المرأة المسلمة في تربيتها وفي علمها، وأما اليوم فمن المستحيل أن يتم للمسلمين ما تم لهم في الماضي مع سائر الأمم بسبب هذا التباين، وإذا طال جمودهم على حالهم هذه ولم يجاروا جيرانهم في كل شيء، كان مصيرهم إلى حيث تقضي سنة التنازع بين المتنازعين غير الأكفاء.
على أن النهضة التي قام بها قاسم أمين منذ سنين قليلة وتلته فيها باحثة البادية، والتي نراها تتجسم أكثر فأكثر كل يوم، كما يدل تكاثر الباحثين في الموضوع وميل الأكثرين منهم إلى شد أزرها ولا سيما في هذه الآونة الأخيرة، تبشرنا بأن مساعي المصلحين وإن لم تظهر نتائجها العملية في المسلمين اليوم، فسوف لا يمضي زمن قصير حتى تجني منها الأجيال القريبة كل الفوائد المطلوبة؛ إذ تكون الرؤوس البالية بما فيها من الأفكار المتعفنة قد انقضت - والعادات دين ثان - فتشب الرؤوس الجديدة على المبادئ الجديدة الموافقة لمصلحة الإنسان المشتركة في العمران، والمتغيرة بحسب روح كل عصر طبقا لاحتياجات كل زمان عملا بسنة الارتقاء وغلبة الأصلح، والعلم الصحيح؛ أي: العلم الاختباري دين أيضا.
واقبل أيها الأستاذ الفاضل فائق احترامي.
الدكتور شبلي شميل
باحثة البادية والآنسة مي
بين كاتبتين
1
إلى باحثة البادية
ترنمت باسمك قبل أن أعرفك، واتخذت ذكرك عنوانا لنهضة المرأة المصرية قبل أن أطالع مقالاتك؛ لأن أصوات الجمهور قد اتفقت في الثناء على فضلك، غير أني عثرت بالأمس على مجموعة كتاباتك القديمة النفيسة، فانحنيت عليها ساعات طويلات، فيها خيل لي أني أقلب صفحات نفسك المفكرة المتوجعة.
ثلاث سنوات مضين، وتلك المجموعة محفوظة بين دفات المكاتب، أو مبعثرة بين الأوراق والأسفار المتراكمة يوما بعد يوم، لكن سرها ما زال مترقبا يدا تلمسه.
Página desconocida