ولقد كاد قلم قاسم أمين يجلب البلاء على المسلمين والمسلمات بما وضعه من الكتب في موضوع المرأة، لولا أن تنبهت لما يريده النابتة الإسلامية فجعلت تطارد تعاليمه وتحارب إرشاداته، وإذا شئنا أن نضرب مثلا للمجاهدات والمصالحات، اللاتي تقصين بآياتهن البينة ما أودعه كتبه من النصائح البعيدة عن روح الإسلام، فإننا لا نجد أحسن من تلك السيدة الفاضلة التي بنت نصائحها على الإسلام، وحرصت على تقاليد المسلمين.
على أنني، وإن عجبت بكثير مما جاء في مجموعتها هذه من الآراء السديدة، فإنني لا أحب أن أزايل موقفي هذا دون أن ألاحظ على السيدة الفاضلة هفوة عرضت لها في باب مساوئ الرجال (الازدراء بالمرأة) طالبا منها بما ورد لها في باب النقد أن تتقبل كلمة لم يملها علي إلا الإخلاص لها والميل إلى المصلحة الأمة، فلقد صورت في ذلك الباب المرأة في نظر الرجل اليوم على نحو ما كانت عليه في الجاهلية الأولى، وهذا أمر قلما طابق الواقع، وهل كان من حرج على السيدة أن توسع المسألة بحثا، وأن ترقب اليوم الذي تترجم فيه مقالاتها إلى اللغات الأجنبية، فتنشر أحكامها على هذه الأمة في العالم الأوروبي الذي يجهل معنى الغلو البديعي، وإنه من المحسنات في اللغة العربية؛ حيث يعتقد الأوروبيون - لا سيما نساؤهم - أننا اليوم على ما كانت عليه جاهليتنا منذ أربعة عشر قرنا، وناهيك بما يحدث هذا القول في العالم المتحضر من الآراء، وما يجلبه علينا بعد ذلك من البلاء.
تقول السيدة الفاضلة في ذلك الفصل: إن الجاهلية ما حبب إليها الذكور وبغض إلى نفوسها البنات، إلا حاجتها إلى الحرب والطعان في سبيل حماية ذمارها، فكان لها من هذا عذر مقبول، وأما هذا الزمن فزمن السياسة والصناعة إلى آخر ما قالت في هذا الباب، وإنني أستمحيها عفوا أن أصرح هنا بأنني لا أكاد أطابقها على شيء مما جاء لها في هذا الباب من الأحكام، وما التمسته من العلل واستخلصته من النتائج والآراء.
وإنني لعلى يقين أن السيدة الفاضلة لو زادت هذا الباب عناية وبحثا لما وجد منتقد سبيلا إلى كلمة يقولها في أكثر موضوعات هذه المجموعة الثمينة، فحسب الأمة المصرية الإسلامية ما دون ذلك من الأبواب الاجتماعية الأدبية التي طرقتها، فإن فيها من الحكم الغالية والنصائح العالية ما هو كفيل لسعادتها، إن شاء الله تعالى.
عبد العزيز جاويش
هذا ما كتبه سعادة العالم أحمد بك زكي، سكرتير ثاني مجلس النظار:
لست بميال لإطراء بنات الأفكار، إذا تضمنتها بطون الدفاتر والأسفار؛ ذلك لأن الثمرة التي تتولد عن القرائح والأذهان إذا جاء معها لقاح المدارك والأفهام، هي التي تنادي بنفسها على نفسها، وتدعو الرأي العام إلى الحكم عليها أو لها، بل هي التي تقتضي الرواج والإقبال بطبيعة الحال، سواء تبرع بمدحها قطب من أقطاب الآداب، أو تطوع لتقريظها علم من أعلام الكتاب.
كنت - ولا أزال أعتقد - أن التقريظ جناية على العلم الصحيح، وعلى ارتقاء الأمة في معارج العرفان، وها هي كتب المتقدمين خلو بالمرة من هذه البدعة حتى إذا تصوحت زهرة الآداب ظهر التقريظ، فاعتمد حملة الأقلام على مجاملة الأصدقاء والخلان؛ حينئذ تهافت الناس عليه تهافتا اختلط فيه الحابل بالنابل والغث بالسمين، والتافه بالثمين، هذا التهافت هو الذي أفسد الأذواق، فتبدل النفاق بالنفاق، وكسدت أسواق الأوراق.
إنما يكون التقدم بهجر التقريظ ومقاطعته، وبالتعويل على النقد الحقيقي الذي قرره العلماء في أيام تقدم الإسلاميين، وهو الذي عول عليه جهابذة أوروبا في هذا العصر، وذلك أن يتوخى الكاتب إظهار ما في الكتاب المعروض عليه من الحسنات وآيات البراعة، مع الإشارة إلى ما فيه من العيوب بغير تحامل، ومن الواجب في هذا السبيل التماس المعذرة في بعض الأحايين، والدلالة على طرق التوسع وشفاء الغليل.
لو عاد قومنا إلى منهاج السلف الصالح والصدر الأول، لكان سعيهم محمود المغبة، مشكور العاقبة؛ لا جرم إذن أن تعود المعارف في ربوعنا إلى بهجتها الأولى، ونبني على ما كانت أوائلنا.
Página desconocida