آية الأمكنة الجافة، وتلمع البقع الصفر على أكواخ الزنوج بالقرب من الضفاف طورا وفي داخل البلد طورا آخر، وتساق القطاع إلى الماء ، ويصطاد الزنجي سمكا ويخطف ويعلق تحت الشمس لحم بقر الماء المذبوح.
وفي المجرى التحتاني من بور تسيطر الغدر والعزلة التامة حتى بحيرة نو، حتى الكيلومتر 500 من الشمال، وليس الأثر واضحا ولو نظر إليه من عل، ومن الطائرة يرى وجه متموج أحمر آجري
4
محاط بطين أبيض مخطط بأذرع جانبية وببحيرات وغدر ضاربة إلى خضرة، يرى بحر يثيره القصب والبردي إثارة خفيفة. وفي الغرب، وعلى بعد عشرة كيلومترات من النيل، حيث تنخفض الغدران أكثر مما في الشرق، يفصل ضرب من السنام
5
هذه المناقع عن مناقع بحر الغزال الآتية من خط المياه القاسم بين حوض النيل وحوض الكونغو، ويئول هذا الخط الجوهري لنصف القارة إلى منحدر مترين من العلو.
وتلك الأرض النفطية المسمدة برماد حرائق السهب السنوية وبالنثارات الفحمية هي بلد الكلأ.
والصدارة للبردي، وقد أنعم ليفه على الفراعنة بالخلود، وتمر ستة آلاف سنة ولا يزال البردي يقاوم كمقاومة صخور الغرانيت التي نقشوا عليها مآثرهم ومساوئهم، وكان يسمع حفيف سوق تلك الشجيرات التي يمر من ظلها فراعنة مصر فيما يجدفه العبيد من قواربهم الحربية، وكان عبيد آخرون يقطعون لب ذلك النبات في عصائب يشبكونها ويشدونها ويصقلونها ليجعلوا منها أوراقا ليفية. ومن العبيد جماعة عالية تسجل في تلك اللفائف مجد الفراعنة، ومن العبيد طبقة رابعة تنقل تلك اللفائف إلى بيوت الأموات التي أسفر فضول البيض عن نبشها، ثم حلها بعبقريتهم في نهاية الأمر، وهذا النبات منح - إذن - أولى الأوراق الصابرة التي أراد أقوياء هذا العالم أن يطمئنوا بها إلى جاه أبدي بعد تعب من الملاذ اليومية.
ويبلغ ارتفاع البردي ستة أمتار، ويؤلف البردي غابات صغيرة مدهامة يوجب تموجها الدائم منظرا لطيفا منسجما، وعندما تخرج الأشطاء
6
Página desconocida