وحب السياحة هو الذي حفز هذا، وحب الاطلاع هو الذي حفز ذلك، وآخرون قد دفعوا عن طموح واستياء ورغبة في مشاهدة ما هو مجهول من نبات وحيوان، وبعضهم قد حرك عن كره للناس لا يسكنه سوى الاتصال بالسود؛ وذلك لأنهم قد بدوا جميعا مدافعين عن الزنوج خلا ستانلي الذي كان وحده يفضل مجتمع البيض على مجتمع السود.
وهل يعجب من فقد أولئك الرجال لشعور القياس في أثناء تلك الريادات الطويلة المثيرة حينما يغدون منفردين بلا رقيب ولا اتصال بمسرات أمثالهم وآلامهم فلا يبالون بغير هدف خفي في ناحية من الغابة البكر؟ والعجيب هو محافظتهم على ذلك الشعور، وهم إذ كانوا مضطرين إلى مدح أنفسهم دوما فإنك ترى أحسنهم هم الذين يضيقون ذرعا عندما يكتبون ولو لم يبالغوا في بيان مغامراتهم، ولم يكن الكتاب الموهوبون منهم هم الذين يدبج يراعهم خير اليوميات، ويظل متهكم إنكليزي مثل سبيك فذا في البساطة التي يعبر بها عن مشاعر يحولها الآخرون إلى بطولة.
هم يخطئون الهدف، ويشوه أعمالهم ضرب من الخنزوانية،
6
وما أشد المرارة التي تمازجهم عندما يجادلهم بعد العود علماء في الغرفة حول النتائج التي انتهوا إليها! وهم قد عاشوا سنوات بين الوحوش والحيوانات وهم قد احتملوا خرافات أحقر رئيس لقبيلة، وهم قد استهزئ بهم لتعريض أنفسهم لبؤس كثير في سبيل اكتشاف منبع ومجرى نهر وشكل بحيرة، وهم إذا ما عادوا صدموا بمثل ذلك الجحود، وقد وجد سبيك نفسه أمام أساتذة بينوا له استحالة كون منابع النيل حيث وجدها، وألفت جمعيات لمناهضته. أجل، كرمته صحيفة البانش، ولكن الحكومة لم تنعم عليه بمقام، أو مال، أو بما كان يتطلع إليه من لقب، وكل ما أذن له فيه هو توسيع شعار أسرته بأن يضيف إليه بقر ماء وتمساحا، وهذا وحده هو ما كوفئ به مكتشف منبع النيل!
وبيكر هو أكثر رواد النيل حظوة من قبل الطبيعة والطالع، وهو الوحيد الذي كانت له بنية عملاق استطاع بها أن يطيق جميع المتاعب، وهو ما انفك يذهب إلى الصيد في إنكلترة حتى بعد مجاوزته السبعين من عمره، ويلزم بطل مكافحة الاسترقاق الكبير هذا جانب الصمت مع ذلك عندما عاد النخاسون الذين كان يطاردهم إلى سابق سيرتهم بعد انصرافه.
وما أشد خيبة أمل ستانلي الذي حقق أعظم الفتوح! وهو لما وجد ليفينغستن
7
عد دجالا، ويشك في صحة الرسائل التي أتى بها، ولما غدا اكتشاف الكونغو أمرا لا مراء فيه بكت هذا الصحافي الكبير على قسوته خفضا لمجده فقط، ولم يكن لدى ستانلي الذي هو أكثر الجميع طموحا صفاء سبيك حتى تكون له راحة بال في شعوره بمآثر، وقد مات خائبا غاضبا. وقد أبصر أولئك الرواد ما تم من تصحيح دائم لخرائطهم على يد سياح آخرين، وما فتئت خريطة البحيرات ومنابع النيل تتحول بين سنة 1850 وسنة 1877، وكانت هذه الخريطة تري بعض تلك الأماكن بعيدا من بعض، ثم صارت أصغر مما كانت عليه فتدانت كما يقع بالمرقب
8
Página desconocida