الأنوف، خوص
41
العيون كما تبدو تحت حواجبهم الكثيرة الشعر، وتظهر الحياة على سيماهم من بصرهم، ويبدو نشاطهم وودادهم من أول اختلاط بهم، ويتخذهم أغنياء المصريين في القاهرة خدما وسعاة وطهاة وحوذيين
42
لما عرف من إخلاصهم لسادتهم، ويعدون أكثر أهل أفريقية الشرقية قرى، ويغتذون بالذرة والجبنة وحفنة من التمر، وينامون في الغالب على صندوق قديم من غير أن يزول أنسهم، ويذبحون شاة تكريما لضيفهم، ويبحثون له عن لبن سائغ وبن حسن من مسافة بعيدة، ويحرسونه وقت نومه أو يقصون عليه أقاصيص قديمة تحت السماء ذات الكواكب، وفي لغتهم من البقايا ما ينم على أنهم كانوا نصارى قبل أن يصيروا مسلمين، ولا يزالون يسمون يوم الأحد يوم الرب.
وعاصمتهم - بربر - بقعة خضراء في الصحراء الصفراء، وهي واقعة على مجرى النهر التحتاني بعد مصب العطبرة، وهي - وإن لم تكن مهمة في الوقت الحاضر - كانت أكبر مدينة على النيل الأعلى منذ ثمانين سنة، وكانت السفن الشراعية تقصدها، وكانت منذ القديم سوقا للعاج والذهب، وللنخاسة على الخصوص، وما فيها من حدائق ظليلة لشيب الموظفين والتجار فمدين - بالحقيقة - لعرق الإنسان والحيوان.
وللنيل صوت في تلك المنطقة، والنيل في منطقة الشلالات تلك، والنيل في ذلك المنعطف الذي يجاوز أربع درجات من العرض، يهدر ويزمجر ويرعد ويزبد، ولا مراء في أن فقر الصوان تلك، ولا مراء في أن حواجز الغرانيت تلك: كانت تؤلف بحيرات كبيرة قبل أن يشق النيل لنفسه طريقا، وهي لكي تتوارى وجب انقضاء ألوف السنين في اصطراع الماء والصخر، ولم تنفك الصخور تدرس
43
وتداس
44
Página desconocida