ويفرح الفلاح المصري بنتائج ذلك المطر في شهر أكتوبر، ويفرح بها الفلاح الحبشي قبل ذلك بقليل وقت، ويكتسب ذلك المطر شكلا هائلا للحبشي مع ذلك، فتسفر الأعاصير التي يكثر وقوعها هنالك بأشد مما في أي مكان آخر، ويسفر المطر الجارف والبرد اللذان يأتيان ويتواريان بغتة ككل شيء في ذلك البلد العجيب، عن هلاك كثير من الإنسان والحيوان والمساكن، وتقتل الصواعق مئات من الآدميين في كل عام، وبلغ ما ثار من العواصف في سنة واحدة أربعمائة، ولما يمض زمن طويل على أمر النجاشي بإقامة الصلوات العامة بسبب كثرة الأشخاص الذين قضت عليهم الصواعق.
ويصل المطر في الوقت المعين دوما، وتسبق المطر همرات
2
خفيفة، ويبلغ المطر أقصى قوته في وسط شهر يونيو كما تدل عليه سجلات المصريين منذ ألوف السنين، ولكن مع كبير اختلاف بين مقادير ما ينزل منه في كل سنة.
والجبال - وهي عنصر التذكير في هذا الاقتران - تقف رواسخ، ومن المحتمل أنها لم تتغير في ملايين السنين القليلة الأخيرة، والبحر والغابة البكر، وهما عنصرا التأنيث في هذا الاقتران، وهما أقل ما يعرف عنه الإنسان في الكرة الأرضية، يحملان الرياح كثير رطوبة أو قليل ندوة، وما أكثر الشعوب المصرية، وما أكثر أجيال المصريين، التي درست هذه المسألة الحيوية من غير أن يمكن البصر بمقدار ارتفاع الفيضان في العام القادم، وكان أحد الفيضانات ضعفي ما للآخر في أربع سنوات متوالية؛ أي بين سنة 1904 وسنة 1908.
والنيل الفائض في مسقط رأسه ليس منقذا كالنيل الفائض في مصر، والنيل والمطر في الحبشة إلهان هائجان، ويخرج من منطقة بحيرة طانة، حيث ينال النيل منبعا له، رافدان مهمان من روافده كما يخرج منها عدد من سواعده الصغيرة. والعطبرة وحدها هي التي تجري نحو الشمال، وتظل جميع المجاري النهرية تلك جافة بعض الجفاف في فصل الشتاء، وتكون الروافد رملية في الغالب، وتكون العطبرة مرملة على الدوام، وتفرض البداوة على شعوب ذلك البلد إذن، وتقضي هذه الشعوب أشهر الجفاف التسعة بالقرب من الأمكنة المشتملة على ماء قليل والتي يمكن الإنسان والحيوان أن يعيشا فيها، وتكثر إحاطة الآجام بالأنهار والضفاف المغمورة الدنيا، ويجري النيل الأزرق والعطبرة في مضايق عميقة، وهما لا يفيضان تقريبا، وهما ينفصلان عن السهب أو الصحراء بطرائد
3
ضيقة، وينبت السنط على شفير
4
الجداول الأقل مياها كما تنبت النخل، وما تحت الأرض من مياه في أفريقية فمدين في الغالب للأنهار بوجوده، وتمد هذه المياه كثيرا من الآبار.
Página desconocida