الْبَابُ الثَّالِثُ عَشْرَ فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الطَّبَّاخِينَ
يُؤْمَرُونَ بِتَغْطِيَةِ أَوَانِيهِمْ، وَحِفْظِهَا مِنْ الذُّبَابِ، وَهَوَامِّ الْأَرْضِ، بَعْدَ غَسْلِهَا بِالْمَاءِ الْحَارِّ، وَالْأُشْنَانِ (^١)، وَأَلَّا يَطْبُخُوا لُحُومَ الْمَعْزِ مَعَ لُحُومِ الضَّأْنِ، وَلَا لُحُومَ الْإِبِلِ مَعَ لُحُومِ الْبَقَرِ، لِئَلَّا يَأْكُلَهَا نَاقِهٌ مِنْ الْمَرَضِ فَتَكُونُ سَبَبًا (^٢) لِنَكْسِهِ. وَيَعْتَبِرُ [الْمُحْتَسِبُ] عَلَيْهِمْ كَثْرَةَ الْإِدَام، وَقِلَّةَ اللَّحْمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسُلُّونَ الدُّهْنَ، وَيُفْرِغُونَهُ (^٣) فِي الْقِدْرِ، فَيَطْفُو عَلَى وَجْهِ الطَّعَامِ، فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ، وَيَظُنُّونَ مِنْ كَثْرَةِ اللَّحْمِ.
وَعَلَامَةُ لَحْمِ الْمَعْزِ فِي الْقِدْرِ سَوَادُهَا، وَزُهُومَتُهَا (^٤)، وَدِقَّةُ عِظَامِهَا، وَيُعْتَبَرُ عَلَيْهِمْ مَا يَغُشُّونَ بِهِ الْأَطْعِمَةَ، فَإِنَّهُمْ يَغُشُّونَ الْمَضِيرَةَ (^٥) بِالدَّقِيقِ، فَيَزِيدُ فِي وَزْنِهَا، وَيَعْقِدُهَا؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْقِدُهَا بِدَقِيقِ الْأَرُزِّ وَالسَّمِيذِ النَّاعِمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَغُشُّ الْبَهَطَّةَ (^٦) بِالْقُلْقَاسِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَيْلُ الطَّعَامِ إلَى السُّمْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْقِدُ اللَّبَنِيَّةَ (^٧) بِالْكُسْبِ أَوْ بِالنَّشَا. وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أُنَبِّهَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ عَلَى غِشِّ الْأَطْعِمَةِ، لَذَكَرْت مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا كَثِيرَةً فِي اخْتِلَافِ أَشْيَاءَ مِنْ عَنَاصِرِهَا (^٨)، وَلَكِنِّي أَعْرَضْت عَنْ ذِكْرِهَا مَخَافَةً مِمَّنْ يَتَعَلَّمُهَا، فَيُعَلِّمُهَا لِلنَّاسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ يَعْقُوبُ الْكِنْدِيُّ (^٩) فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ بِاسْمِ " كِيمْيَاءُ الطَّبَائِخِ " أَلْوَانَ لَحْمٍ
_________
(^١) انظر الحاشية، ٩ ص ٢٨، ويضاف إليها أن الأشنان يستعمل أيضًا في غسل الثياب وغيرها، ويطلق عليه الغاسول. (ابن البيطار: المفردات، جـ ١، ص ٣٧ - ٣٨).
(^٢) في س "سببه"، وما هنا من ع، ل، هـ.
(^٣) في س "ينزعونه"، وما هنا من ع، ل، هـ.
(^٤) الزهومة رائحة اللحم السمين المنتن. (المخصص، ج ص ١٣٢).
(^٥) المضيرة اللحم الذي يطبخ باللبن المضير؛ أي الحامض. راجع ابن عبد ربه (العقد الفريد، جـ ٣، ص ٣٨١)؛ والنويري (نهاية الأرَب، جـ ١٢، ص ٢١٣)؛ والمخصص (جـ ٥، ص ٢).
(^٦) البهطة معربة عن الكلمة الهندية "بهَتّا"، وهي أرز مطبوخ باللبن والسمن خاصة. انظر (القيصوني: قاموس الأطباء، ص ٤٦٥؛ والخوارزمي: مفاتيح العلوم، ص ١٠٠).
(^٧) اللبنية طعام مصنوع من الأرز واللبن. انظر. (Dozy: Supp. Dict. Ar) .
(^٨) في س"عناصر"، وما هنا من ل.
(^٩) ولد يعقوب الكندي بالكوفة في القرن الثاني للهجرة في (منتصف القرن التاسع الميلادي)، حيث كان أبوه إسحاق حاكما بها، وتلقى علومه بالبصرة وبغداد، فتعلم الطب والفلسفة والحساب والمنطق =
1 / 34