مِنْ طُولِهِ، وَأَذْيَالُهُ تُسْحَبُ عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ: " يَا شَيْخُ، اذْهَبْ فَاحْتَسِبْ عَلَى نَفْسِك، ثُمَّ عُدْ، وَاطْلُبْ الْحِسْبَةَ عَلَى النَّاسِ ".
فَصْلٌ
وَلْيَكُنْ [مِنْ] شِيمَتِهِ الرِّفْقُ، وَلِينُ الْقَوْلِ، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَسُهُولَةُ الْأَخْلَاقِ. عِنْدَ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ وَنَهْيِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
قَالَ اللَّهُ ﷿ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، وَلِأَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي الزَّجْرِ رُبَّمَا أَغْرَى بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْنِيفُ بِالْمَوْعِظَةِ تَمُجُّهُ (^١) الْأَسْمَاعُ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: [يَا هَذَا،] (^٢) إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك أَنْ يَلِينَ الْقَوْلَ لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، فَقَالَ لِمُوسَى، وَهَارُونَ: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾؛ ثُمَّ أَعْرَضَ [عَنْهُ] (^٣)، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَنَالُ بِالرِّفْقِ مَا لَا يَنَالُ بِالتَّعْنِيفِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ كُلَّ رَفِيقٍ، يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى التَّعْنِيفِ».
وَلْيَكُنْ مُتَأَنِّيًا، غَيْرَ مُبَادِرٍ إلَى الْعُقُوبَةِ، وَلَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ يَصْدُرُ [مِنْهُ] (^٤)، وَلَا يُعَاقِبُ [بِأَوَّلِ] (^٥) زَلَّةٍ تَبْدُو؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْخَلْقِ مَفْقُودَةٌ فِيمَا سِوَى الْأَنْبِيَاءِ [- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -] (^٦) وَإِذَا عَثَرَ بِمَنْ نَقَصَ الْمِكْيَالَ، أَوْ بَخَسَ الْمِيزَانَ، أَوْ غَشَّ بِضَاعَةً أَوْ صِنَاعَةً بِمَا يَأْتِي وَصْفُهُ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْغُشُوشِ، اسْتَتَابَهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ، وَأَنْذَرَهُ الْعُقُوبَةَ، وَالتَّعْزِيرَ (^٧)؛ فَإِنْ عَادَ إلَى فِعْلِهِ عَزَّرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ [بِهِ] (^٨) مِنْ التَّعْزِيرِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ
_________
(^١) في س "مجة"، وما هنا من النسخ الأخرى.
(^٢)، (^٣)، (^٤)، (^٥) ما بين الحاصرتين غير وارد في "س"، وأضيف من النسخ الأخرى.
(^٦) الإضافة من ص، م فقط.
(^٧) التعزير عقاب المذنب أو المخالف لأمور لم تشرع فيها الحدود، ويترك أمر العقاب فيها لولى الأمر. ويختلف التعزير بحسب الذنوب المرتكبة وحال المذنب نفسه، وهو أنواع - مثل التَّوبيخ والزجر بالكلام، والحبس، والنهي عن الوطن، والضرب؛ وقد فصلت "كتب الفقه الأصول المتبعة في هذه الأنواع.
انظر (ابن تيمية: الحسبة في الإسلام، ص ٣٨؛ المَاوَرْدِيُّ: الأحكام السلطانية، ص ٢٢٧ - ٢٣١).
(^٨) الإضافة من ع، م، هـ.
1 / 9