El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
قال أبو علي بن سينا البرهان على أن كل مجرد عن المادة فهو عقل بذاته هو بدليل أن كل ماهية مجردة عن المادة فلا مانع لها من حيث ذاتها عن مقارنة ماهية أخرى مجردة فيمكن أن تكون معقولة أي مرتسمة في ماهية أخرى مجردة وارتسامها هو مقارنتها ولا معنى للعقل إلا أنه مقارنة ماهية مجردة لماهية مجردة ولذلك إذا ارتسمت في القوة العاقلة منا ماهية مجردة كان نفس الارتسام فيها هو نفس شعورها بها وإدراكها لها وذلك هو العقل والتعقل إذ لو كان يحتاج إلى هيئة وصورة غير الصورة المرتسمة لكان الكلام في تلك الصورة كالكلام في هذه الصورة ويتسلسل وإذا كان نفس تلك المقارنة هو العقل فيلزم منه أن كل ماهية مجردة فلا مانع لها من ذاتها أن تعقل.
قلت ما زدت في البيان إلا أنك جعلت المقارنة حدا أوسط ولسنا نشك أنك ما عنيت بهذه المقارنة مقارنة الجسم ولا مقارنة الجوهر العرض ولا مقارنة الصورة المادة بل عنيت به كما فسرت التمثيل والارتسام وعنيت بالتمثيل والارتسام التعقل فقد صادرت على المطلوب الأول أقبح المصادرة فكأنك قلت الدليل على كونه عالما أنه لا يمتنع على آنيته وذاته أن يكون مرتسما بصورة أي عالما فبان أنك أدرجت لفظ المقارنة حتى أخفيت الحال ثم فسرت المقارنة حتى أبديت الحال زالت المصادرة عنك كل الزوال.
وأما استشهادك بالقوة العاقلة منا فإنما ينفعك مع من لا ينازعك في أن العقل هل يعقل بذاته ذاته وإن عقل أفبعقل غير ذاته أم بعقل هو ذاته أما من نازعك في إثبات كونه عقلا وعاقلا أي علما وعالما فلا ينفعه هذا الاستشهاد.
وأما اقتباس كونه عاقلا من كونه معقولا فهو من أمحل المطلوبات وهو كمن قال لا يمتنع عليه أن يعلم فلا يمتنع عليه أن يعلم والعرض في ذاته ممتنع أن يعقل ويعلم عند القوم فكيف يصح القياس وهب أنه يعلم فلم ينبغي أن يعلم ثم أخذ ما يحب مما لا يمتنع من أبعد القياسات وأمحل المحالات فإن سلمنا لكم كونه تعالى عالما بذاته وعلمه بذاته نفس علمه بعلمه فلم قلتم أن علمه بذاته الذي هو نفس العلم فعلمه بمعلوماته هو علمه بذاته ما هو مبدأ وهو مبدأ كل موجود أفيتعلق علمه بذاته ثم يتعلق نفس ذلك العلم بمعلوماته على النسق الذي حصل أم يتعلق علمه بذاته ويتعلق علم آخر بمعلوماته ويلزم على الأول أن يقال لا يعلم إلا ذاته إذ لا صورة عنده غير ذاته ولا ارتسام لعقله إلا تعقله فإن العقل عندكم مقارنة ماهية لماهية والمقارنة هو ارتسام ماهية بماهية فعلى هذا التفسير لم يقترن بوجوده غير وجوده ولا ارتسم في عقليته غير عقليته وسائر اللوازم كما هي مفارقة لذاته يجب أن يكون معقوليتها مفارقة لمعقولية ذاته ويلزم على القسم الثاني التكثر الصريح فإن عقله لذاته وعقله للعقل الأول إن كانا شيئا واحدا من وجه واحد فيلزم أن تكون ذاته هو العقل الأول والعقل الأول ذاته وإن لم يكن ذلك على وجه واحد فقد تعدد وتكثر وجوه الذات.
ثم نقول إذا كان عقله وعلمه علما فعليا لا انفعاليا وإنما يلزم منه ما يلزم لعلمه بذاته فيجب أن يكون كل معلوم مفعولا له وهو معلوم لعلمه فانظروا أي شيء يلزم من ذلك.
قال ابن سينا أنه تعالى عالم بالأشياء لا من الأشياء بل الأشياء منه ومن علمه.
قيل له فإذا بطل تقريرك الثاني أن العقل لا معنى له إلا الارتسام ماهية بماهية فهلا قلت العقل رسم ماهية في ماهية أو هلا قسمت الأمر فقلت من العقول ما يرتسم ومن العقول ما يرسم ومنها ما لا يرسم ولا يرتسم فعقله للعقل الأول رسم وليس بارتسام وعقله لذاته ليس برسم ولا ارتسام وعقل العقل والنفس له ارتسام وليس برسم فعقولنا مثلا تصورات وعقول المقارنات تصويرات وتصورات وعقل الباري تعالى لذاته ليس بتصور ولا تصوير وعقله للعقل الأول تصوير لا تصور.
Página 76