El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
والجواب قلنا الواجب أن نزيل عن الكلام ما يوقعه الوهم حتى يتجرد المعقول الصرف عن العقل فقول القائل وجد عن عدم أو بعد العدم أو سبقه العدم إن كان يعني به أن العدم شيء يتحقق له سبق وتقدم وتأخر واستمرار وانقطاع أو شيء يوجد عنه شيء فذلك كله من إيهام الخيال حيث لم يمكنه تصور الأولية في الشيء الحادث إلا مستندا إلى شيء موهوم كالزمان والمدة كما لم يمكنه تصور النهاية في العالم إلا مستندا إلى شيء موهوم كالخلا والفضا وكما لم يمكن فرض خلاء بين وجود الباري تعالى وبين العالم لا يمكن أيضا فرض زمان وتقدير زمان بين وجود الباري تعالى وبين العالم فإن ذلك من عمل الوهم فقط ولا يلزم منه المعية بالزمان كما لا يلزم المعية من المكان فافهم ذلك فيجب أن تزيل هذا الإيهام عن فكرك فيتصور أن وجود شيء لا من شيء هو المعني بحدوث الشيء عن العدم فإن قولنا له أول المعنى بحدوثه وإن قولنا لم يكن فكان هو المعنى بسبق العدم إذ لا بد من عبارة وتوسع في الكلام ليطلق لفظ السبق والتأخر والاستمرار والانقطاع وإذا ثبتت هذه القاعدة فنقول إذا كان العالم ممكن الوجود باعتبار ذاته والممكن معناه أنه جايز الوجود وجايز العدم فيستوي طرفاه أعني الوجود والعدم باعتبار ذاته فإذا وجد فإنما يوجد باعتبار موجده ولولا موجده لما استحق إلا العدم فهو إذا مستحق الوجود والعدم بالاعتبارين المذكورين فكان واجب الوجود سابقا عليه بالذات والوجود إذ لولاه لما وجد ولا يجوز أن يكون وجوده مع واجب الوجود بالذات والوجود جميعا لأن قبل ومع بالذات والوجود لا يجتمعان في شيء واحد فهو إذا متأخر الوجود ولا يجوز أن يكون مع واجب الوجود بالزمان لأنه يوجب أن يكون واجب الوجود زمانيا لأن قولنا مع من جملة المتضايفات كالأخوة والأبوة فأحد الشيئين إذا كان مع الثاني بالزمان كان الثاني معه أيضا بالزمان وبكل اعتبار أثبت المعية في أحد الشيئين وجب عليك أن تثبتها في الشيء الثاني ولا يجوز أن يكون وجوده مع واجب الوجود بالرتبة والفضيلة لأن رتبة الواجب بذاته لا يكون كرتبة الواجب بغيره وظهر أن جايز الوجود وواجب الوجود لا يكونان معا بوجه من الوجوه واعتبار من الاعتبارات وصح القول كان الله ولم يكن معه شيء فما معنى قولكم الجايز دايم الموجود بالواجب أو مع الواجب أو قدرتم دوام وجود الباري تعالى زمانيا ممتدا مع الأزمنة الغير المتناهية كما توهمتم وجود العالم زمانيا ممتدا في أزمنة لا تتناهى وبئس الوهم وهمكم في الدوامين فكأنكم أخذتم لفظ الدوام بالاشتراك المحض أما دوام وجود الباري تعالى فمعناه انه واجب لذاته وبذاته ولا يتطرق إليه جواز ولا عدم بوجه من الوجوه فهو الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر كان بعده وأوله آخره وآخره أوله أي ليس وجوده زمانيا وأما العالم فله أول ودوامه دوام زماني يتطرق إليه الجواز والعدم والقلة والكثرة والاستمرار والانقطاع فلو كان دايم الوجود بدوام الباري كان الباري دايم الوجود بدوام العالم فلو كان الدوامان بمعنى واحد فيلزم أن يكون وجود الباري تعالى زمانيا أو وجود العالم ذاتيا وكلا الوجهين باطل فبطل قولكم إن العالم دايم الوجود بالواجب وإنما يتضح هذا البطلان كل الوضوح إذا أثبتنا استحالة حوادث لا أول لها ووجود موجودات لا تتناهى وأما قولكم إن العالم في المحل المتفق عليه إنما يستند إلى الموجد من حيث وجوده فقط والعدم لا تأثير له في صحة الإيجاد قلنا ولو استند إلى الموجد من حيث وجوده فقط لاستند كل موجود وتسلسل القول إلى ما لا يتناهى ولم يستند إلى واجب وجوده بل إنما استند إليه من حيث جوازه فقط والجواز قضية أخرى وراء الوجود والعدم ثم جواز الوجود سابق على الوجود بالذات فنقول إنما وجد به لأنه كان جايز الوجود ولا نقول إنما كان جايز الوجود لأنه وجد فجواز وجوده ذاتي له والوجود عرضي والذاتي سابق على العرضي سبقا ذاتيا ثم بينا أن الجايز مستحق العدم باعتبار ذاته لولا موجده فكان مسبوقا بوجوده ومسبوقا بعدم ذاته لولا موجده لأن استحقاق وجوده عرضي مأخوذ من الغير واستحقاق عدمه ذاتي مأخوذ من ذاته فهو إذا مسبوق بوجود واجب ومسبوق بعدم جايز فتحقق له أول والجمع بين ما له أول وبين ما لا أول له محال.
Página 7