El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
ثم نقول من راس مواجب العقول في أصل التكليف متعارضة الأصول فإنا نطالب الخصم بإظهار وجه الحسن في أصل التكليف والإيجاب عقلا أو شرعا وقد علم أن لا يرجع إلى المكلف خير وشر ونفع وضر وزين وشين وحمد وذم وجمال ونكال وإن كانت ترجع هذه المعاني إلى المكلف لكن والمكلف قادر على إسباغ النعم عليهم من غير سبق التكليف فتعارض الأمران أحدهما أن يكلفهم فيأمرهم وينهاهم حتى يطاع ويعصى ثم يثيب ويعاقب على فعلهم والثاني أن لا يكلفهم بأمر ونهي إذ لا يتزين منهم بطاعة ولا يتشين منهم بمعصية ولا يثيب ثوابا على فعل ولا يعاقب عقابا على فعل بل ينعم دواما كما أنعم ابتداء أليس العقل الصريح يتحير في هذين المتعارضين ولا يهتدي إلى اختيار أحدهما حقا وقطعا فكيف يعرفنا وجوبا على نفسه بالمعرفة وعلى قالبه بالطاعة أم كيف يعرفنا وجوبا على الفاطر الباري تعالى بالثواب والعقاب خصوصا على أصل المعتزلة فإن التكليف والأمر والإيجاب من الله تعالى مجاز في العقل إذ لا يرجع إلى ذاته صفة يكون بها آمرا مكلفا بل هو عالم قادر فاعل للأمر كما هو فاعل الخلق والعقل إنما يعرفه على هذه الصفة ويستحيل أن يعرفه أنه يقتضي ويطلب منه شيئا ويأمر وينهي بشيء فغاية العقل أن يعرفه على صفة يستحيل عليه الاتصاف بالأمر والنهي فكيف يعرفه على صفة يريد منه طاعة يستحق عليها ثوابا ولا يريد منه معصية يستحق عليها عقابا ولا طاعة ولا معصية إذ لا أمر ولا نهي إذ لم يبعث بعد نبيا فيخلق لأجله كلاما في شجرة فيسمعه ولو خلق لنفسه كلاما فهو مسموع كل الحد ولا له في ذاته كلام يمكن أن يستدل عليه كسائر صفات ذاته بل أمره ونهيه من صفات فعله بشرط أن لا يدل أمره المفعول المصنوع على صفة في ذاته فهو مدلول أمره ونهيه إذ خلق في شجرة افعل لا تفعل لا يدل ذلك على صفة غير كونه عالما قادرا فليعرف من ذلك أن من نفى الأمر الأزلي لم يمكنه إثبات التكليف على العبد ولا أمكنه إثبات حكم في أفعال العباد من حسن أو قبح ويؤدي ذلك إلى نفي الأحكام الشرعية المستندة إلى قول من ثبت صدقه بالمعجزة فضلا عن العقلية المتعارضة المستندة إلى عادات الناس المختلفة بالإضافة والنسب وكثيرا ما نقول من نفى قول الله فقد نفى الفعل فصار من أوحش الجبرية أعني أثبت جبرا على الله تعالى وجبرا على العبد من نفى إكساب العباد فقد نفى قول الله صار من أوحش القدرية أعني قدرا على الله وقدرا على العبد والقدرية جبرية من حيث نفي الكلام والقول والأمر والجبرية قدرية من حيث نفي الفعل والكسب والمأمور به فلينتبه لهذه الدقيقة.
وأما ما ذكروه من جواز التنازع بين مختلفين في مسئلة عقلية وإنكار أحدهما على صاحبه واستقباح مذهبه مسلم ولكن النزاع في أمر وراءه وهو أنه هل يجب على المتنازعين الشروع في تلك المسئلة وجوبا يستحق به ثوابا وإذا حصل على علم فهل يستحق به ثواب الأبد وإذا حصل على جهل فهل يصير به مستحقا لعقاب الأبد فما دليلكم على نفس المتنازع وقد عرفتم أن الأمر فيه غيب والإذن فيه من المالك غير موجود وفي التصرف خطر ومن المعلوم أن من خاض لجة البحر ليطلب درة وهو غير حاذق الصنعة كان على خطر الهلاك وربما يصير ملوما من جهة مالكه إن كان عبدا أو مغرما من جهة صاحب المال إن كان شريكا ثم الاستقباح والاستحسان والإنكار والإقرار متعارضان عند الخصمين فإن كل واحد منهما يستحسن ما يستقبحه صاحبه يناء على إنكاره وقل ما يتفق ارتفاع النزاع بينهما إلا بقاض يكون حكمه في الأمر وراء حكمهما وعقله أرجح من عقلهما يتحاكمان إليه وذلك هو الذي ينفي الحسن والقبح من حيث العادة ويثبت الحسن والقبح من حيث التكليف.
وأما ما ذكروه من رفع المعاني المعقولة في مجاري الحركات التكليفية والأحكام الشرعية فذلك لعمري مشكل في المسئلة.
والجواب عنه من وجهين أحدهما أن نقول ما من معنى يستنبط من فعل وقول لربط حكم إلا ومن حيث العقل يعارضه معنى آخر يساويه في الدرجة أو يفضل عليه في المرتبة فيتحير العقل في الاختيار إلى أن يرد شرع يختار أحدهما اعتبارا فحينئذ يجب على العاقل اعتباره واختياره.
Página 134