El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
ومما تمسك به الأشعري في جواز رؤية الباري جل جلاله سؤال موسى عليه السلام " رب أرني أنظر إليك " وجواب الرب تعالى " لن تراني " ووجه الاستدلال أن موسى عليه السلام هل كان عالما بجواز الرؤية أم كان جاهلا بذلك فإن كان جاهلا فهو غير عارف بالله تعالى حق معرفته وليس يليق ذلك بجناب النبوة وإن كان عالما بالجواز فقد علمه على ما هو به والسؤال بالجائز يكون لا بالمستحيل وجواب الرب تعالى لن تراني يدل على الجواز أيضا فإنه ما قال لست بمرئي لكنه أثبت العجز أو عدم الرؤية من جهة الرائي وعن هذا قال " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " إذ الجبل لما لم يكن مطيقا للتجلي مع شدته وصلابته فيكف يكون البصر مطيقا فربط المنع بأمر جائز ومع جوازه أحال المنع على ضعف الآلة لا على منع الاستحالة أليس لو كان السؤال أرني أنظر إلى وجهك أو إلى شخصك وصورتك لم يكن الجواب بقوله لن تراني بل لست بذي شخص وصورة ووجه ومقابلة فدل أن السؤال كان بأمر جائز فتحقق الجواز وإن قيل لن للتأييد فهو محال من وجهين أحدهما أن لن للتأكيد لا للتأييد أليس قال إنك لن تستطيع معي صبرا وهو جائز غير محال والثاني أنه وإن كان للتأييد فليس يدل على منع الجواز بل يدل على منع وقوع الجائز وإنما استدللنا بالآية لإثبات الجواز وتأييد لن لا ينافيه.
فإن قيل سأل الرؤية لقومه لا لنفسه وإنما سألها إلزاما عليهم بقول الله سبحانه لن تراني حيث قالوا أرنا الله جهرة.
قيل هذا ما يخالف الظاهر من كل وجه ومع مخالفته لا يجوز أن يسأل النبي سؤالا محالا لقومه وقرينة المقال تدل على أن السؤال كان مقصورا عليه من كل وجه إذ قال ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني إلى آخر الآية ومنع موسى لا ينتهض إلزاما على القوم بل تقرير الحجة القاطعة على أن الله تعالى لا يجوز أن يكون مرئيا يكون إلزاما فكيف نجا موسى من السؤال بلن تراني ولكن انظر إلى الجبل ولم ينج قومه من السؤال في قولهم أرنا الله جهرة إلا بالصاعقة المهلكة والعذاب الأليم ولما قال قومه اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لم يلزمهم بالسؤال عن الله تعالى بل أجابهم في الحال إنكم قوم تجهلون إذ كان السؤال محالا فكذلك الرؤية لو كانت مستحيلة لأجابهم في الحال ورفع شبههم بالمقال ومثل هذه الحالة لو قدرت المعتزلة ما استجازوا تأخير البيان عن وقت الحاجة ولعدوا سؤال المسؤول من مسؤول آخر اتهاما آخر على شبهة قد تحققت لهم.
ومما تمسك به قوله تعالى " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " والنظر إذا تعرى عن الصلات كان بمعنى الانتظار وإذا وصل بلام كان بمعنى الإنعام وإذا وصل بفي كان بمعنى التفكر والاستدلال وإذا وصل بإلى تعين للرؤية ولا يجوز حمله على الثواب فإن نفس رؤية الثواب لا يكون إنعاما وقد أورد النظر في معرض الإنعام واللفظ نص في رؤية البصر بعد ما نفيت عنه التأويلات الفاسدة.
واعلم أن هذه المسئلة سمعية أما وجوب الرؤية فلا شك في كونها سمعية وأما جواز الرؤية فالمسلك العقلي ما ذكرناه وقد وردت عليه تلك الإشكالات ولم تسكن النفس في جوابها كل السكون ولا تحركت الأفكار العقلية إلى التفصي عنها كل الحركة فالأولى بنا أن نجعل الجواز أيضا مسئلة سمعية وأقوى الأدلة السمعية فيها قصة موسى عليه السلام وذلك مما يعتمد كل الاعتماد عليه.
القاعدة السابعة عشر
في التحسين والتقبيح وبيان أن لا يجب على الله تعالى شيء من
Página 128