El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
والحق أن هذا الإشكال لا يختص بمسئلة الأمر بل هو جار في كل صفة أزلية تتعلق بمتعلقها أزلا أنها كيف تتعلق بالمعدوم أليس الله تعالى عالما قادرا والعالم معدوم وكيف يتعلق العلم والقدرة بنفي محض وعدم صرف لفعلي تقدير الوجود فكيف يتصور التقدير في حق الباري والتقدير ترديد الفكر وتصريف الخواطر وذلك من عمل الخيال والوهم أم يتعلق بالوجود حقيقة والوجود محصور متناه ونحن نعتقد أن معلوماته ومقدوراته لا تتناهى وإنما يتصور ذلك فيما لم يوجد ويمكن أن يوجد أم تقرر أن العلم صفة صالحة لدرك كل ما يعرض عليه من غير قصور والقدرة صالحة لإيجاد كل ما يصح وجوده من غير تقاصر ثم ما يصح أن يعلم ويجوز أن يوجد لا يتناهى فعلى هذا المعنى نقول المعلومات والمقدورات لا تتناهى والمتعلق من حيث المتعلق راجع إلى صلاحية الصفة للكل ومن حيث المتعلق راجع إلى صحة المعلوم والمقدور وكذلك قولنا في السمع والبصر وكونه سميعا بصيرا بل الجمع بين المسئلتين ها هنا أظهر فإن السمع لا يتعلق بالمعدوم وكذلك البصر فلا يكون المعدوم مسموعا ومبصرا بل إنما يصير مدركا بهما حيث يصح الإدراك وهو حال الوجود فقط لا قبله تحقيقا كان أو تقديرا كذلك الأمر الأزلي يتعلق بالمأمور به حتى يصح التعلق وهو حال الوجود المتهيأ لقبوله من كونه حيا عاقلا بالغا متمكنا من الفعل كسائر الصفات على السواء فليس يختص السؤال بمسئلة الكلام ووجه الحال ما قد سبق التقرير به.
قولهم أن كلاما لا تتحقق له أقسام الكلام غير معقول.
قلنا وما أقسام الكلام فإن المتكلمين حصروها في ستة وسائر الناس زادوا أقساما مثل النداء والدعاء وزادوا في كل قسم من الأمر والنهي أقساما مثل أمر الندب وأمر الإيجاب ونهي التنزيه ونهي التحريم وفي كل قسم من الخبر والاستخبار أقساما مثل الخبر عن الماضي والمستقبل والمواجهة والمغايبة وغير ذلك ومن تصدى ليردها إلى ستة فقد قضى بتداخل أقسام منها في أقسام ولغيره أن يتصدى لردها إلى قسمين الخبر والأمر أما الاستخبار فلا يتصور في حقه تعالى على موجب حقيقة الاستفهام بل حيث ورد فمعناه التقرير والإخبار كقوله تعالى: " ألست بربكم قالوا بلى " من غير الله إلاه مع الله ومعنى الكل راجع إلى تقرير الخطاب للمخاطب أن الأمر لا يتصور إلا كذلك وأما الوعد والوعيد فظاهر أنهما خبران يتعلق أحدهما بثواب فسمي وعدا وتعلق الثاني بعقاب فسمي وعيدا كما أمكن أن يرد النداء إلى الخبر يا زيد يا عمرو أي ادعو زيدا.
وأما القسم الثاني وهو الأمر فهو والنهي لا يجتمعان لكن كلام الله تعالى إذا تعلق بمتعلق خاص على صيغة الأمر ولم يتصل بتركه زجرا كان ندبا وإن اتصل به زجرا سمي ذلك إيجابا وكذلك النهي إذا لم يرد على فعله وعيد سمي تكريها وإن ورد سمي تحريما ثم هما يشتركان في كونهما أمرا ونهيا وإن رد الأمر والنهي إلى معنى واحد وهو الأمر كان ذلك أيضا له وجه فإن النهي أمر بأن لا تفعل فرجع أقسام الكلام كلها إلى خبر وأمر ثم كما أمكن رد أقسام الكلام إلى قسمين من غير نقصان في حقيقة الكلام كذلك أمكن رد القسمين إلى قسم واحد حتى يكون كلامه على ما قررناه واحدا وقد ورد التنزيل بتسميته أمرا بحيث يتضمن جميع الأقسام في قوله تعالى " وما أمرنا إلا واحدة " وفي قوله " ألا له الخلق " فالخلق والأمر يتقابلان كالفعل والقول وعن هذا أمكن الاستدلال بهذه الآية حتى يقال أن أمر الباري غير مخلوق فإنه لو كان مخلوقا لكان تقدير قوله ألا له الخلق وهذا من فاسد الكلام وقد ورد أيضا في القرآن ما يدل على أن الأمر سابق على الخلق وذلك السبق لن يتصور إلا أن يكون أزليا وذلك قوله سبحانه " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " والمتكون متأخر والأمر متقدم والتقدم على الحادث المطلق لا يكون إلا بالأزلية فتحقق من هذه الجملة أن كلامه تعالى واحد إن سميته أمرا فهو خلاف الخلق ومقابله وإن سميته خبرا فهو وفق العلم سواء وأنه إذا تعلق بالمأمور فيكون تعلقه مشروطا بشرائط كما كان تعلق سائر الصفات مشروطا بشرائط وقد عرفت الفرق بين تعلق الصلاحية والصحة وبين تعلق الفعل والحقيقة واندفع الإلزام بهذا الفرق.
Página 106