وبقلب يدق بالهلع مضى درش يتسمع، والتقطت أذناه المرهفتان حديثا قصيرا خافتا بين الأم التي استطاع أن يميز صوتها وبين أحد أطفالها، ربما البنت وربما الولد لم يكن يعرف أيهما، ولكنه لأمر ما تمنى أن تكون التي استيقظت هي البنت.
وخيل إليه أن ساعة طويلة قد مضت قبل أن تتحرك أكرة الباب الذي يحتمي خلفه، وتدخل المرأة وهي تكاد تموت على نفسها من الضحك.
وقالت له باستغراب: ما الذي أخافك؟
وأحس بالخجل، فقد أدرك لحظة سؤالها فقط أن ما فعله كان عملا دل على رعبه الشديد، وقال: أبدا ... أنا خفت؟ أبدا ... فقط كما تعلمين، لا أريد إحراجك إذا كان أحد الأطفال قد اكتشف وجودي. طبعا هذا لا يصح ... أليس كذلك؟
فقالت وقد جلست فوق السرير ومدت يدها تخلع حذاءها: اطمئن، هم لا يدركون شيئا. والآن لا تخف، لقد أصبحنا وحدنا. أليس كذلك؟ أنا وأنت فقط
وأعجبته كلماتها، كانت أول كلمات تقولها منذ أن تعارفا.
ويحس منها أنها فعلا تريده بصراحة ووضوح ودون أدنى مواربة.
وكان السؤال لا يزال يؤرقه، فهو خبير بالنساء، ويستطيع أن يقسم على كل مقدس أن هذه المرأة خام مائة في المائة وأنها ليست عابثة ولا مغامرة، فلماذا رضيت به؟ وحتى لو كان قد أعجبها وسحرها لماذا قبلت وهي الزوجة والأم أن يصحبها إلى شقتها بمثل تلك الصورة؟ لهذا حين نطقت كلماتها السابقة اطمأن وأحس أنه لو سألها أي سؤال، حتى ذاك السؤال، فلن تغضب ولن تتحرج من الإجابة عليه.
ورأى أنه من اللائق أن يخرج سؤاله بطريقة بريئة ومؤثرة لا تجعله يبدو في نظرها ساذجا أو محبا للاستطلاع، فمن صفات الرجل الكامل في نظره ألا يكون ساذجا أو محبا للاستطلاع. وهكذا وقف أمامها وهي تخلع جوربها، ووضع يديه في جيب بنطلونه وقال بلهجة مغرية وبنبرة آثرة: أنا كما ترين أحب الصراحة، وهناك أمر يحيرني جدا وأحب أن تكوني صريحة معي فيه.
فسألته بقلق بريء: ما هو؟ - السؤال هو بصراحة: لماذا قبلتني؟ أنا أعلم أنك لم تفعلي هذا على سبيل اللهو أو العبث. وأعلم كذلك أنك لا يمكن أن تكوني قد وقعت في حبي من أول نظرة. السؤال محرج جدا، وقد أبدو سخيفا في نظرك، ولكني أستحلفك أن تقولي لي لماذا؟
Página desconocida