ولم يطل انتظاره، فسرعان ما أردفت قائلة: ولكني في الآونة الحاضرة لا أقيم مع زوجي.
وتوالت دقات قلبه عالية مملوءة بالفرح والانفعال ... وضحك.
ضحك هكذا بلا مناسبة، واحدة من تلك الضحكات التي نخفي بها انفعالاتنا ... ولم يفرح درش وينفعل لأنها لا تقيم مع زوجها، ولكن لأنها قالت هذا، ولو كانت لا تريده لاكتفت بقولها إنها متزوجة، وما حاولت أن تطلعه على أمر خاص بها وحدها.
وكان لا يزال في دوامة النشوة حين تطلعت هي من النافذة وقالت: نحن الآن في ليوبولد بلاتس ... إنك تبتعد عن فندقك كثيرا.
فقال لها وهو يطوح برأسه إلى الوراء: لا يهم! - أنصحك أن تهبط في المحطة التالية فلا يزال هناك أمل أن تلحق بآخر أوتوبيس. - لا يهم. - أين ستبيت إذن؟ - أعرف تماما أين سأبيت.
قال هذا وهو ينظر إليها مخفضا عينيه، محاولا قدر طاقته أن يضغط على حروف كلماته واتجاه نظراته، ليحمل الكلمات والنظرات فوق ما تحتمل.
وسكتت هي مستسلمة مبتسمة، وسكت هو الآخر سكوتا مؤقتا، فقد بدأ يتحرك في مكانه تحركات خفية هدفها أن يتزحزح ليقترب منها، وسواء كانت لاحظت هذا أم لم تلاحظه فالذي حدث أنها واصلت سكوتها وصمتها.
ودرش هو الآخر لم يكن يتحدث، فقد كان يحلم أحلاما رائعة للغاية، فهو إلى الآن لم يكن قد عرف عنها أكثر من أنها لا تقيم مع زوجها، ورغم هذا راح يحلم ويؤكد لنفسه أنه حتما سيقضي الليلة معها، وأن هذه مسألة مفروغ منها.
وهكذا دون أن يتوقع تحقق له الحلم الأكبر الذي كاد يؤمن باستحالة وقوعه. وتحقق ببساطة منقطعة النظير. الحلم الذي جاء به إلى أوروبا، ها هو ذا الآن يحياه، وها هي ذي المرأة التي طالما تصورها. ها هي ذي حقيقة من دم ولحم وابتسامات بجواره، يراقبها ويتأملها بدقة وعلى مهل كما تتأمل القطة الفأر وقد اطمأنت إلى وقوعه بين مخالبها. وهو سعيد بتأمله لها، سعيد بالتهامها بنظراته والغوص بها في أحلامه، ولا أحد يستطيع لومه إذا كان قد فضل أن يبقى هكذا لبعض الوقت، يستمتع بخياله الملتهب، عن أن يستأنف فورا مواصلة الجهود للاستحواذ عليها.
غير أن أمرا مفاجئا قطع عليه أحلامه، فقد تبين له أن من الغريب أن تكون السيدة متزوجة وفي نفس الوقت لا تكون مقيمة مع زوجها.
Página desconocida