فلا يديمُ سرورٌ ما سررتَ بهِ ... ولا يَرُدُّ عليكَ الفائتَ الحَزَنُ
السرور بالشيء لا يبقيه، والحزن على الماضي لا يعيده.
فلا ينفعُ الأسدَ الحياءُ من الطّوى ... ولا تُتّقى حتّى تكون ضَواريا
لا يُشبعُ الأسدَ حياؤها من الجوع كما أن الأسد لا تخيف إن يكن ضواري مفترسات.
فَلمْ أرَ مثلَ العدلِ للمرءِ رافعًا ... ولمْ أرَ مثلَ الظلمِ للمرءِ واضِعا
لا شيء يرفع الإنسان مثل العدل، ولا شيء يخفضه مثل الظلم.
فما الحداثةُ عن حلمٍ بمانعةٍ ... قد يوجدُ الحلمُ في الشبانِ والشِّيبِ
ليس الشباب مانعًا للحلم في الشباب، بل إن الحلم يوجد أحيانًا في الشيب والشباب.
فما تُرَجِّي النفوسُ منْ زمَنٍ ... أحمدُ حاليهِ غيرُ مَحْمودِ
ماذا ترجي من زمن أحسن أحواله سيء لا نحمده.
فؤادُ الفتى نصفٌ ونصفٌ لسانهُ ... فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدّمِ
قلب الإنسان نصفه ولسانه نصفه الثاني، فلم يبق منه إلا اللحم والعظم والدم.
فيا عاذلي دَعْني أغالي بِقيمتي ... فقيمةُ كُلِّ الناسِ ما يُحسنونَهُ
قيمة كل امرئ ما يحسن.
في المنى راحةٌ وإِن علَّلَتْنا ... مِنْ هواها ببعضِ ما لا يكونُ
أملنا في الحياة وفي المستقبل يريحنا قليلًا حتى حين يكون وهمًا.
في الناسِ ذو حلمٍ يُسفّهُ نفسَه ... كيما يهابَ وجاهلٌ يتَحَلَّمُ
في الناس فريقان: حليم يدعي السفه ليهابه الناس، وسَفيه يدعي الحلم ليحترمه الناس.
في سعةِ الخافقَيْنِ مُضطَربٌ ... وفي بلادٍ من أُختِها بَدَلُ
الأرض واسعة، وكل مكان تنزل فيه عوضٌ عن مكان غادرته.
في طَرْفةِ العين تحولُ الحالُ ... ودونَ آمالِ الفتى آجالُ
تتحول الأحوال في طرفة عين، ولا يحقق الفتى آماله إلا بعد زمن طويل.
في كلِّ شيءٍ عبرةٌ لمنْ عقَلْ ... قد يَسعَدُ المرءُ إذا المَرْءُ اعتدلُ
في كل ما تراه بعينك عبرة لعقلك، والسعادة في الاعتدال.
حرف القاف
قالَ الزمانُ له قولًا فاسمعَهُ ... إن الزمانَ على الإِمساك عَذَّالُ
نصح الزمان البخيل وحثه على عمل المعروف، والزمان يعذل كل بخيل على بخله.
قالتْ عهدتُكَ مَجنونًا فقلتُ لها ... إِنَّ الشبابَ جنون بُرْؤه الكِبَرُ
قالت لي حبيبتي: أنت مجنون، فقلت: نعم أنا مجنون لأني شاب، والشباب جنون لا يشفيه غير الكبر والشيخوخة.
قالتْ لقد بعُدَ المسرى قلتُ لها ... من عالجَ الشوقَ لم يَستبعِد الدارا
قالت لي حبيبتي: لقد زرتني من مكان بعيد، فقلت لها: إن المشتاق يرى البعيد قريبًا.
قالوا انفردتَ عن الأوطانِ فقلتُ لهم ... الليثُ منفرِدٌ والسيفُ منفردُ
قالوا لي: إنك غريب وحيد، فقلت لهم: وكذلك الليث يعيش وحيدًا، والسيف في غمده وحيد.
قبيحٌ بفَوْدِ الشيخِ تشبيهُ لونهِ ... بفَوْدِ الفتى واللهُ يعلمُ ذالكا
الخضاب عيب لأن الشيخ يريد أن يجعل شعره الأبيض مثل شعر الشاب الأسود.
قدْ زيَّنوا أحسابَهم بسماحِهم ... لا خيرَ في حسَبٍ بغير سماحِ
هؤلاء جماعة لهم شرف قديم فأضافوا إليه عمل الخير والكرم، ولا خير في الشرف إن لم يزينهُ الكرم.
قد صدَقَ القائلُ في الكلامِ ... ليسَ النُّهى بِعِظَمِ العِظامِ
صدق من قال: الرجل بعقله لا بجسمه.
قدْ قضى ما عليهِ من بلَغ الجُه ... دَ وإِن لم يَصِلْ إلى ما أرادا
إن من بذل جهده في سبيل المجد قضى ما عليه من واجب، سواء أوصل إلى غايته أم لم يصل.
قدْ يجمعُ المالَ غيرُ آكلِهِ ... ويأكلُ المالَ غيرُ مَنْ جمَعَهْ
رب جامع للمال لم ينفقه، ورب منفق للمال لم يجمعه.
قد يُحرَمُ الراجي ويُعطى القانِطُ ... ويُبعَدُ الأدنى ويُدْنى الشاحِطُ
رب آمل محروم، وقانط يعطى، وقريب يصبح بعيدًا، وبعيد يصبح قريبًا.
قد يُحرَمُ المرءُ إذا تعَنّى ... وليسَ للإنسانِ ما تَمَنّى
قد يحرم المرء رغم تعبه وعنائه، وليس كل ما يتمناه المرء يحققه.
قدْ يدركُ الساعي لباريهِ رِضًا ... ورضا البَرِيةِ غايةٌ لا تُدْرَكْ
1 / 26