La tendencia del pensamiento europeo en el siglo XIX
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
Géneros
كذلك تجد أن فرنسا قد أجدبت في «التأمل الفلسفي» خلال عصر «العودة إلى الملكية»
Restoration ، غير أنها أحدثت إذ ذاك عصرا ذهبيا من عصور الأدب، وأمدت كل أوروبا بأضواء العلم التي أشعت من «باريس» خلال الثلث الأول من القرن التاسع عشر. وقلما عني تاريخ الفلسفة بذكر «جوته»، ومع هذا فإن مؤلفاته تتضمن على الأرجح أعمق صور الفكر التي أنبتتها العصور الحديثة، ثم عد إلى فرنسا ثانية تجد أن المذهب الفلسفي الوحيد الذي أبرزه العقل الفرنسوي طوال القرن التاسع عشر، هو مذهب «كونت» في «الفلسفة اليقينية»، غير أنه لم يترك إلا أثرا ضئيلا فيها.
ومن ذا الذي يجرؤ على القول بأن هذا المذهب يعكس على العالم من صور الفكر الفرنسوي ما يعكس عصر «فولتير»، أو عصر «مونتسيكو» مثلا؟ وإليك «هيجل» نفسه، فإنه لذلك الباحث الذي عمد إلى تتبع آثار العقل الإنساني في مذاهب الفلسفة، على أنه قد جهر بعد الجهد والعناء بأن الفلسفة آخر ثمار المدنية، وأن أية فكرة من الفكرات التي تمضي متحكمة في العقول خلال أي عصر من العصور لا تظهر لابسة الثوب المذهبي، إلا وكان هذا عنوانا على زوالها، ودليلا على انقضاء حياتها.
يدلك هذا على أن الفلسفة لا تنظر إلا إلى الماضي، إنها تحمل ما فصلته الأزمان، ومن ثم تناقش وتنتقد، ولكنها لن تضع للمستقبل صورة مرسومة، على أن ما في هذه النظرية من حق قد يتناوله الشك، وتحف به الريب، غير أننا لا نود أن نمضي في الكلام فيها الآن؛ لأننا سوف نعود إليها بعد، بل نكتفي هنا بأن نقول: بأن ما نعني من اصطلاح «الفكر» لا يمكن أن يتفق وما يعني من اصطلاح الفلسفة؛ ولذا نقضي بأن تاريخ الفلسفة خلال القرن التاسع عشر، أمر يختلف تمام الاختلاف عن تاريخ الفكر فيه، على أن هنالك موضعا قد تحل فيه كلمة «الفلسفة» محل كلمة الفكر، غير أنه موضع يقرب فيه معنى «الفلسفة» من المعنى المدرك من «الفكر»، ولا يقرب فيه معنى «الفكر» من المعنى المدرك من «الفلسفة»، وعلى هذه القاعدة كتب «هيويل»
Whewell «فلسفة العلوم الاستقرائية»
Inductive Sciences ، وجعل الغاية مما كتب أن يبحث عن أساليب الفكر التي تتخذ، عن قصد أو عن غير قصد، سبيلا إلى التفكير أو البحث العلمي فتؤدي إلى تقدم العلم وارتقائه.
على أننا قد نقع على محاولات شبيهة بهذه في التجارة والسياسة والحكومات والدين والأدب على وجه عام، على أن الفلسفة في كل هذه الحالات لا تدل على معنى أكثر من أنها طريقة خاصة للتفكير والاستنتاج يستعان بها على حاجات الحياة، عملية كانت أم عقلية، وليس هذا هو المعنى الذي يدرك من الفلسفة في الاستعمال المتفق عليه. إنها لتدل على شيء أعمق من ذلك، فلا هي أخذت على أنها أسلوب مرسوم، ولا على أنها طريقة عقلية حرة تبرز بها الفكرات والتأملات، بل أخذت للدلالة على نظريات محددة تفسر بها ظاهرات الكون بالغة من حقارة الشأن أو عظم الخطر ما بلغت.
ومن هنا لا نشك في أن الفلسفة تكون شطرا عظيما من أشطر الفكر خلال القرن التاسع عشر، وقد تكون أشد ما أنتج الفكر أخذا بالروع، وصرفا للذهن في سبيل التأمل والاستبصار، على أنها في الحين ذاته أكثر ما أنتج الفكر خضوعا لبواعث التغيير، وأوسعها للمناقشة والنقد مجالا. ومع هذا، فإنا لا نشك في أن الفكرات الخفية، والاستنتاجات العميقة الغور البعيدة المتناول، لهي الأساس الذي قام عليه هيكل النواتج العقلية والفنية، والمستحدثات العلمية التي شيد نواحيها القرن التاسع عشر.
وعلى هذا، يظهر لكل باحث استعمق في البحث في نزعة الفكر الأوروبي خلال القرن التاسع عشر، أن مباحثه لا بد من أن تنقسم إلى شطرين عظيمين كلاهما يتناول ناحية خاصة، ففي الشطر الأول يجب عليه أن يعتبر الفكر عبارة عن مجرد وسيلة تسلم إلى غاية ما، أو كأسلوب يتخذ ذريعة للوصول إلى غرض معين، سواء أكان نظريا أم عمليا، ولا يؤدي الفكر في هذه الحال من معنى أكثر من أنه نوع من الاستنتاج العقلي استخدم في سبيل البحث عن المعرفة، أو عن طريقة تطبق بها المعارف الإنسانية.
ولما كانت كل الاستنتاجات العقلية لا تبدأ إلا بفروض أو أوجه من النظر ندعوها المقدمات أو المبادئ أو القضايا الضرورية، ومن هذه الأوليات تولد أساليب معينة؛ فإن هذا الشطر من البحث ينقسم بدوره إلى قسمين: يتناول القسم الأول تقرير المبادئ، ويختص القسم الثاني بالبحث في الأساليب التي يمضي الاستنتاج العقلي، نظريا كان أم عمليا، خاضعا لمؤثراتها.
Página desconocida