Teoría del conocimiento y la posición natural del hombre
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Géneros
يعتمد عليه التعبير عن الكيفية الحسية في صورتها المألوفة؛ (لأن الشريط دون الجهاز لا ينتج أي صوت)، ومع ذلك لا يمكن أن يقال: إنه يخلق هذه الكيفية، التي تظل موضوعية مستقلة عن الجهاز ذاته، ولا تعتمد عليه إلا في «ترجمتها» أو نقلها إلى الصورة الصوتية، أما نوع هذه الصورة ذاتها، فذلك ما لا يتحكم فيه الجهاز على الإطلاق.
وأعتقد أن هذا المثل يفيد إلى حد بعيد في الرد على الاعتقاد القائل إن اعتماد الإدراك على الإنسان يجعله ذاتيا: ففيه تتمثل حالة واضحة لكيفية تعتمد على جهاز ما وتظل مع ذلك موضوعية مستقلة عنه.
وإذن، فمن الممكن - نظريا على الأقل - أن تكون الذات مشتركة في تكوين الصورة النهائية للشيء، مع بقاء هذا الشيء مستقلا عن الذات، والمعيار الأساسي لهذا الاستقلال هو وجود شروط «موضوعية» لا تخلقها الذات، وبدونها لا يدرك الشيء.
ومهمتنا الآن هي تناول أمثلة مختلفة للمفكرين المثاليين، نناقش من خلالها الطريقة التي تعرض بها المثاليون لفكرة «موضوعية شروط الإدراك» هذه، ونتبين إلى أي حد كانت مشكلة خارجية العالم هي العقبة التي لم يستطع أي مذهب مثالي التغلب عليها بصورة منطقية سليمة. (3) خارجية العالم عند ديكارت
في الفقرة الأولى من الجزء الثاني من «مبادئ الفلسفة» يبرهن ديكارت على وجود الأجسام المادية ذات الطبيعة المستقلة عن العقل «على أساس أن في مشاعر لا أبعثها في نفسي كلما شئت وكما شئت، بل إن هناك شيئا هو الذي يبعثها في، وقد يقال: إن الله هو الذي يبعث فينا إحساسا بوجود هذا الشيء الممتد طولا وعرضا وعمقا، أو إنه يدفع شيئا ليست له مثل هذه الطبيعة إلى بعث هذا الإحساس فينا، ولكن هذا معناه أنه يخدعنا، وهذا مخالف لطبيعته، فلا بد إذن أن يكون هناك بالفعل جوهر ممتد موجود في العالم، له كل ما ننسب إلى مثل هذا الجوهر من خصائص.»
ويلاحظ على رأي ديكارت هذا ما يأتي: (1)
أنه يجعل وجود العالم الخارجي في حاجة إلى «برهان»، أي في حاجة إلى مجموعة من «الاستدلالات» المنطقية التي «تثبت» هذا الوجود إذا أمكن الإتيان بها، والتي لو لم يتمكن الذهن من الوصول إليها لظل ذلك الوجود أمرا مشكوكا فيه أو غير مؤكد، وهذا افتراض لن نناقشه الآن، بل يكفينا في الوقت الحالي أن ننبه إليه فحسب.
ويلاحظ في هذا الصدد أن ديكارت أخذ يبحث عن برهان عندما عجز عن الاقتناع «بميلنا الطبيعي» إلى نسبة الوجود الخارجي إلى الأشياء، فهو يحرص (في التأمل الثالث) على أن يفرق بين «الميل الطبيعي» إلى الاعتقاد بوجود الأشياء الخارجية - وهو دائما معرض للشك - وبين «النور الطبيعي» الذي يتعلق بحقائق واضحة لا سبيل إلى إنكارها مثل الكوجيتو، ولم يفكر ديكارت في الاحتمال المضاد، أعني احتمال كون «الميل الطبيعي» أقوى حجة من كل حقائق «النور الطبيعي» المزعومة التي لم يكن لها طابع «لا يقاوم» إلا في ذهن ديكارت وبعض معاصريه، والتي أثبت التطور التالي للفكر البشري افتقارها التام إلى أي نوع من الوضوح أو البداهة. (2)
أن ديكارت قد تنبه جيدا إلى طبيعة الإدراكات المتعلقة بالعالم الخارجي، والتي تختلف عن الإدراكات أو المشاعر الباطنة اختلافا جوهريا: ففي إمكاني دائما أن «أتخيل» منظر المنضدة حين لا أكون جالسا بقربها، ولكني لا أستطيع كلما شئت أن «أدرك» منضدة على ذلك النحو الذي نسميه بالإدراك الفعلي، ولو كانت المسألة كلها «تمثلات» أو انبعاثات ذاتية لما كان لمثل هذا الإدراك أي شرط يتوقف عليه، ولكان مثل هذا الإدراك «إراديا» على الدوام، وإذن فوجود شروط للإدراك الخارجي «لا تتوقف على إرادتنا» دليل على أن لهذا الإدراك طبيعة مختلفة اختلافا أساسيا. (3)
وأخيرا يلاحظ أن ديكارت كان في حاجة إلى دعامة من الإيمان لكي يتخلص من إمكان الخداع، فهو لا يستطيع الاهتداء إلى يقين بشأن وجود العالم الخارجي إلا بعد مساره الطويل من الشك إلى الكوجيتو ثم إلى وجود الله، ومنه إلى وجود العالم، أي إن وجود العالم الخارجي يظل معلقا أو موضوعا بين قوسين إلى أن يعود إليه عن طريق وسائط أخرى توصل إليه بطريق غير مباشر.
Página desconocida