Teoría del conocimiento y la posición natural del hombre
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Géneros
وفي مستهل المقال الثامن يحدد أرسطو الجواهر المعترف بها اعترافا عاما بأنها هي «الجواهر الطبيعية: وهي النار والتراب والماء والهواء، أي الأجسام البسيطة، وثانيا: النباتات وأجزاؤها والحيوانات وأجزاؤها، وأخيرا: الكون المادي وأجزاؤه.»
12
وإذا تذكرنا أن مقولات أرسطو كانت تحليلا للطرق التي تقال بها أحكامنا أو عباراتنا على الأشياء، وأنها كلها تلخيصات لأعم طرق الحكم والحمل في اللغة المألوفة؛ لكانت النتيجة الضرورية هي أن فكرة الجوهر تسجيل لاتجاه عام في استخدامنا المعتاد للغة، ولم يكن استخلاص أرسطو لها - شأنه شأن الكثير من عناصر فلسفته ومنطقه - إلا تلخيصا للأفكار العامة الكامنة من وراء استعمالاتنا المألوفة.
وصحيح أن أرسطو يضيف إلى معنى الجوهر بوصفه الأجسام البسيطة أو الأشياء الفردية معنى آخر، هو «ماهية» الأشياء،
13
وأن هذا المعنى قد يتخذ ذريعة لنقل الفكرة من مجال الموقف الطبيعي إلى المجال العلمي، على أساس أن تفسيرها بالماهية معناه أن الجوهر تعبير عن الطبيعة «الحقيقية» أو العلمية للأشياء، ولكن الأمر المؤكد أن فكرة وجود ماهية للأشياء هي فكرة قائمة أيضا على مستوى الموقف الطبيعي ذاته: ففي تعاملنا اليومي مع الأشياء نفرق حتما بين تغيراتها العرضية أو الكمية أو الكيفية أو الزمانية أو المكانية ... إلخ، وبين الشيء في ماهيته الحقيقية، وهكذا يكون تعرفي على صديقي «س» بعد سنوات متعددة - وفي الوقت الذي ازداد فيه جسمه نموا وتغيرت طباعه واختلفت ملابسه ... إلخ - راجعا إلى تمييزي - في مستوى الموقف الطبيعي - بين ماهية ذلك الشخص وأعراضه، وإذن فجميع تعريفات فكرة الجوهر عند أرسطو يمكن أن تربط بالموقف الطبيعي، بحيث تكون الفكرة في نهاية الأمر تعبيرا واضحا عن محاولة أرسطو أن «يفلسف» الموقف الطبيعي أو يكشف مقولاته الكامنة، وهذا التفسير طبيعي تماما من الوجهتين المنطقية والتاريخية معا، فلنا كل الحق في أن نتوقع أن تكون البدايات الأولى لنضوج الفكر البشري مرتكزة على الموقف الطبيعي، وأن تكون أول محاولة لبناء منطق شامل تحليلا للعناصر الرئيسية التي ينطوي عليها هذا الموقف.
ولقد أيد الكثيرون - ممن كتبوا في هذا الموضوع - الرأي القائل بارتباط فكرة الجوهر بالموقف الطبيعي، ففي كتاب
Substance & Function
يؤكد «كاسيرر» ضرورة فكرة «الشيء» في تفكير أرسطو، من حيث إنها هي الأساس الذي بنيت عليه فكرة الجوهر التي تعبر «التصورات» عن ماهيتها الحقيقية، فيقول: «إن تحديد التصور حسب جنسه القريب وفصله إنما هو ترديد للعملية التي يتكشف بها الجوهر الحقيقي على مراحل متعاقبة في صور وجوده الخاصة، وهكذا فإن فكرة «الجوهر» الأساسية هذه هي التي ترتكز عليها نظريات أرسطو المنطقية الخالصة على الدوام، وهنا يكون النسق الكامل للتعريفات العلمية تعبيرا كاملا - في الآن نفسه - عن القوى الجوهرية التي تتحكم في العالم الواقعي.»
14
Página desconocida