لا يكون قبرًا، والريح ليست كفنًا، والرجل لا يزال مصلوبًا غير مقبور، ولا يزال عاريًا غير مدرج في كفن.
وأما حديث القلب فهو ذلك المنثور أو المنظوم الذي تسمعه، فتشعر أن صاحبه قد جلس بجانبك ليتحدث إليك كما يتحدث الجليس إلى جليسه، أو ليصور لك ما لا تعرف من مشاهد الكون، أو سرائر القلوب، أو ليفضي إليك بغرض من أغراض نفسه، أو لينفس عنك كربة من كرب نفسك،
أو ليوافي رغبتك في الإفصاح عن معنى من المعاني الدقيقة التي تعتلج في صدرك، ثم يتكاءدك الإفصاح عنها، من حيث لا يكون للصناعة اللفظية، ولا الفلسفة الذهنية، دخل في هذا أو ذاك، حتى ترى حجاب اللفظ قد رق بين يديك دون المعنى حتى يفنى كما تفنى الكأس الصافية دون ما تشتمل عليه من الخمر، فإذا الخمر قائمة بغير إناء، أو كما تفنى صفحة المرآة الصقيلة بين يدي الناظر فيها، فلا يرى إلا صورته ماثلة بين يديه، ولا لوح هناك ولا زجاج، وهو أرقى الأحاديث الثلاثة وأشرفها، وهو الذي يريده المريدون مهما اختلفت عباراتهم، وتنوعت أساليبهم، من تعريف كلمة البيان.
ولقد كان من أكبر ما أعانني على أمري في كتابة رسائل
1 / 46