في عين نفسه، ومن كان يقبل ويدبر بإقبال الدهر علي، وإدباره عني، ثم لا يستحي أن يستكثر من ذلك حتى أستحي له منه، فعركت بجنبي١ أكثر ما كرهت من ذلك، ولكنني لم أرض لنفسي أن أنزل في الغرارة والغفلة دون المنزلة التي ينخدع فيها الغر الكريم، فأصبح رأيي في الناس غير رأيهم في أنفسهم، ورأى بعضهم في بعض، وخفت أن يصيب كثيرًا من الضعفاء والمحدودين٢ أمثالي مثل ما أصابني، فكان من همي أن أنبش دفائنهم خيرا كان أو شرًّا، وأن أكشف أثوابهم عن أجسامهم، وأجسامهم عن نفوسهم، حتى يتراءوا ويتكاشفوا فيتواقوا ويتحاجزوا، فلا يهنأ خادع بخدعته، ولا يبكي مخدوع على نكبته، ولا يتخذ بعضهم بعضا حمرًا يركبونها إلى أغراضهم ومطامعهم، وكان منشيء في قوم بداة سذج لا يبتغون بدينهم دينا، ولا بوطنهم وطنا، ثم ترامى بي الأمر بعد ذلك، وتصرفت بي في العيش شؤون جمة
فخضعت لكثير من أحكام الدهر، وأقضيته إلا أن أكون ملحدًا في ديني، أو زاريا على وطني، فاستطعت، وقد غمر الناس ما غمرهم من هذه المدينة الغربية أن أجلس ناحية
_________
١ عرك بجنبه ذنب صاحبه احتمله.
٢ المحدود المحروم ويراد به سيئ الحظ.
1 / 29