فداخلني من ذلك هم عظيم لم أستطيع أن أملك نفسي معه كأنما خيل إلي لقرب عهدي بما أرى أنني أرى شيئا عجيبا، أو منظرا غريبا، أو كأنما كنت أحسب أن عالم الخيال الذي كنت فيه إنما هو صورة صحيحة لعالم الحقيقة الذي أنتقل إليه، فأزعجني ما رأيت من هذا الاختلاف العظيم بينهما، فأرسلت الكلمة إثر الكلمة كما يتنفس المتنفس أو يئن الحزين، فرأى ذلك بعض الناس فسموا ما رأوه كلاما، ثم ما زالوا يستحسنون ما أقول ويغرونني بأمثاله، وما زلت أطمع فيهم وأرجو أن أصيب ما في نفوسهم حتى رأيتني كاتبا.
ولقد كان لهذا الأدب الذي توليت نفسي به أثر باق عندي إلى هذه الساعة التي أكتب فيها رسالتي هذه، فإني لا أحسن حتى اليوم أن أكتب كلمة يفضي بها إلى غيري، أو أعبر عن معنى لا يقوم بنفسي، أو أبكي على من لا يحزنني فراقه، أو أندب من لا يفجعني موته، أو أستنكر ما أستحسن، أو أستحسن ما أستنكر، كما لا أستطيع أن أمر بمشهد من تلك المشاهد التي تهيج في نفسي حزنا شديدا، أو طربا كثيرا، فأملك نفسي عن محاولة الإفضاء بما تركه عندي من خير أو شر، وما أعلم أني كتبت كلمة في شأن من الشؤون إلا وكان
1 / 25