وما يترنم به الشادي، وما يساجل به الماتح١ إلا سمعته، ولا أن أعلم ما يهجس في نفس المحب إذا اشتمل عليه ليله، والحائر إذا ضل به سبيله، والثاكل إذا فجعت بواحدها، والموتور إذا حيل بينه وبين واتره، والكريم إذا لاح له منظر من مناظر البؤس والشقاء، والغريب في دار غربته، والسجين بين جدران سجنه، والخائف إذا وقف بين الرضا والغضب، والمقدم للقتل إذا وقف بين الرجاء واليأس، والبائس إذا أعوزه القوت، واليائس إذا أعوزه الموت، والعزيز إذا ذل، والمشرف إذا هوى، والشريف إذا عبث بشرفه عابث، والغيور إذا لمس عرضه لامس، إلا علمته، ولا أن أعرف خلق الدهر في تنقله بالناس ما بين رفع وخفض، وجدة وفقر، ونعيم وبؤس، وإقبال وإدبار، ولا أثر يده السوداء في خراب القصور، وخلاء الدور، وإقفار المغاني، وتصويح الرياض، إلا عرفته، فكنت أجد في نفسي من اللذة والغبطة بذلك كله ما لا يقوم به عندي كل ما ينعم به الناعمون من رغد في العيش ورخاء حتى ظننت أن الله ﷾ قد صنع لي في هذا الأمر، وأنه لما علم أنه لم يكتب لي في لوح مقاديره ما كتب للسعداء، والمجدودين من عباده من مال أو جاه أعيش
_________
١ الماتح المستقى على البئر.
1 / 8