- الأَصْل الأول
-
فِي بَيَان التحصين من لدغ الْعَقْرَب وَكلمَة الِاسْتِعَاذَة بالكلمات
حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد عَن مَالك بن أنس عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله مَا نمت البارحة قَالَ من أَي شَيْء قَالَ لدغتني عقرب فَقَالَ أما انك لَو قلت حِين أمسيت أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة كلهَا من شَرّ مَا خلق لم يَضرك شَيْء إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي رِوَايَة لم يَضرك شَيْء حَتَّى تصبح
1 / 59
وَعَن خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ من نزل منزلا فَقَالَ أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق لم يضرّهُ شَيْء حَتَّى يرتحل من منزله ذَلِك
وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِذا فزع أحدكُم فِي النّوم فَلْيقل أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من غَضَبه وعقابه وَمن شَرّ عباده وَمن همزات الشَّيَاطِين وَأَن يحْضرُون فَإِنَّهَا لن تضره فَكَانَ عبد الله بن عَمْرو يعلمهَا من بلغ من وَلَده وَمن لم يبلغ كتبهَا فِي صك ثمَّ علقها فِي عُنُقه
1 / 60
وَعَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس ﵄ قَالَ كَانَ رَسُول الله ﷺ يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن يَقُول أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة من كل شَيْطَان وَهَامة وَمن كل عين لَامة
وَيَقُول كَانَ أبي إِبْرَاهِيم يعوذ بِهن إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق ﵉
قَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن بشير الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ الْمُؤَذّن كلمة الله التَّامَّة وكلمات الله التامات يؤديان إِلَى معنى وَاحِد فَمن قَالَ كلمة الله التَّامَّة فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْجُمْلَة وَمن قَالَ كَلِمَات الله التامات فَإِنَّمَا أَرَادَ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة الَّتِي تَفَرَّقت فِي الْأُمُور فِي الْأَوْقَات فَصَارَت كَلِمَات ومرجعهن إِلَى كلمة وَاحِدَة فكلمته التَّامَّة هِيَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون﴾
وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون﴾
وَإِنَّمَا قيل تَامَّة لِأَن أقل الْكَلَام عِنْد أهل اللُّغَة على ثَلَاثَة أحرف حرف يبتدأ بِهِ وحرف يحشى بِهِ الْكَلِمَة وحرف يسكت عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ على حرفين فَهُوَ عِنْدهم مَنْقُوص وَإِنَّمَا نقصت لعِلَّة مثل قَوْله يَد وَدم وغد وفم هَذِه كلهَا منقوصات لِأَنَّهَا على حرفين وَكَذَلِكَ كن هِيَ من الْآدَمِيّين من المنقوصات لِأَنَّهَا على حرفين وَلِأَنَّهَا كلمة ملفوظة
1 / 61
بالأدوات وَمن رَبنَا ﷻ كلمة تَامَّة لِأَنَّهَا بغيرالأدوات ومنفي عَنهُ شبه المخلوقين وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وتمت كلمة رَبك﴾
ثمَّ وصفهَا فَقَالَ ﴿صدقا وعدلا﴾
أَي قدسا واستواء ثمَّ قَالَ ﴿لَا مبدل لكلماته﴾ أَي لَيْسَ لأحد أَن يعجزه إِذا قَالَ لشَيْء كن وَإِنَّمَا قَالَ بكلماته لتفرق هَذِه الْكَلِمَة فِي الْأُمُور كلهَا فَلِكُل قَضِيَّة وَلكُل إِرَادَة من الْأُمُور من رَبنَا فِي كل أَمر كَلَام بقوله كن وَهُوَ مَا رُوِيَ عَن أبي ذَر ﵁ عَن رَسُول الله ﷺ فِيمَا يحْكى عَن الله ﷿ إِنَّمَا عطائي كَلَام وعذابي كَلَام
فَأَما قَوْله كن فالكاف من كينونته وَالنُّون من نوره وَهِي كلمة تَامَّة بهَا أحدث الْأَشْيَاء وَخلق الْخلق فَإِذا استعاذ العَبْد بِتِلْكَ الْكَلِمَة صَارَت لَهُ معَاذًا وَوقى شَرّ مَا استعاذ بهَا مِنْهُ لِأَن العَبْد الْمُؤمن لما عرف أَن لَا يكون شَيْء إِلَّا مَا جرى بِهِ الْقَضَاء وَالْقدر وَإِنَّمَا يمْضِي الْقَضَاء بقوله كن عظمت هَذِه الْكَلِمَة عِنْده فَصَارَت مُتَعَلق قلبه فَإِنَّمَا
1 / 62
تَأْخُذهُ الرَّغْبَة فِي الْأَشْيَاء والرهبة من الْأَشْيَاء وَقَلبه نَازع إِلَى مَشِيئَته وفؤاده مراقب لإرادته وَأذنه مصيغة إِلَى كلمة كن وعينه شاخصة إِلَى تَدْبيره
فَإِذا قَالَ أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من شَرّ مَا خلق وقِي شَرّ مَا خلق وَصَارَ فِي حصنه وارتتع فِي عياذه آمنا مطمئنا هَذَا لمن قَالَهَا بيقظة وعقل مَا يَقُول وَهَذَا القَوْل مِنْهُ تَحْقِيق الايمان لِأَنَّهُ آمن بِرَبّ لَا يملك أحد سواهُ شَيْئا وَلَا شريك لَهُ فِي شَيْء وَهَذَا لأهل الْيَقِين الَّذين إِذا قَالَ أحدهم هَذَا القَوْل اسْتَقر قلبه بعد القَوْل على مقَالَته واطمأنت نَفسه
فَأَما أهل الْغَفْلَة فَإِنَّهُم يعاذون على أقدارهم لحُرْمَة الْكَلِمَة وَهُوَ مثل مَا جَاءَ عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ إِذا قَالَ العَبْد حسبي الله سبع مَرَّات قَالَ الله تَعَالَى وَعِزَّتِي لأكفينه صَادِقا أَو كَاذِبًا
فَإِنَّمَا قَالَ صَادِقا أَو كَاذِبًا لِأَن السَّابِق المقرب وَهُوَ الموقن إِذا قَالَ حسبي الله صدقه بِفِعْلِهِ فَهُوَ صَادِق لِأَنَّهُ لَا يتَعَلَّق بعد ذَلِك قلبه بالأسباب وَذَلِكَ مثل قَول إِبْرَاهِيم ﵇ حِين وضع فِي المنجنيق من الْجَبَل ليرمى بِهِ فِي النَّار وعري من الْكسْوَة وكتف بِالْوَثَاقِ فَقَالَ حسبي الله فعارضه جِبْرِيل ﵇ فِي الْهَوَاء امتحانا
1 / 63
وابتلاء وَقَالَ هَل من حَاجَة يَا إِبْرَاهِيم وَهُوَ يهوى فِي الجو فَقَالَ إِبْرَاهِيم ﵇ أما إِلَيْك فَلَا وَقد بَكت السَّمَوَات وَالْمَلَائِكَة وخزان الْمَطَر ﵈ لما حل بِهِ وجأرت إِلَى الله تَعَالَى فَأمر الله تَعَالَى بنصرته من حِين اسْتَغَاثَ بِهِ عَبده فَلم يلْتَفت إِلَى أحد من خلقه وَلَا إِلَى جِبْرِيل مستغيثا حَتَّى تفرد الله تَعَالَى بنصرته فَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم﴾
وَإِنَّمَا عَارضه جِبْرِيل ﵇ فِي الْهَوَاء بِمَا عَارضه ليبرز صدق مقَالَة إِبْرَاهِيم ﵇ فِي قَوْله حسبي الله عَن مَكْنُون قلبه وليعلم الصادقون من بعده غَايَة الصدْق فِي المقالات فاتخذه خَلِيلًا ونوه باسمه فِي الْعَالمين وَهُوَ أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ عري فِي دَار الدِّينَا فِي ذَات الله تَعَالَى فبدىء بِهِ من بَين الْأَنْبِيَاء وَالرسل ﵈ فَهَكَذَا يكون قَول أهل الْيَقِين فِي حسبي الله والمخلط كذبه بِفِعْلِهِ حَيْثُ تعلق بالأسباب وبالمخلوقين حَتَّى صَارُوا فتْنَة عَلَيْهِ
فَقَوله حسبي الله قَول الْمُوَحِّدين قَول أهل الْإِيمَان لَا قَول الْمُحَقِّقين قَول أهل النزاهة وَالْيَقِين فَكَذَلِك قَوْله أعوذ بِكَلِمَة الله التَّامَّة المقرب عينه وَأذنه إِلَى تَدْبيره وقضائه وَقَوله كن والمخلط عينه وَأذنه إِلَى الْأَسْبَاب والحيل والحرز والحصون والوقايات فيعاذ على قدره لحُرْمَة قَوْله واعترافه بِأَنَّهَا كلمة إِيمَان فالاستعاذة بِاللَّه تعلق بِهِ مَحْضا والاستعاذة بكلمته تعلق بتدبيره لِأَنَّهُ كَذَا دبر أَن تكون الْأَشْيَاء بِالْكَلِمَةِ وَقَالَ فِي تَنْزِيله عز من قَائِل ﴿وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه﴾
1 / 64
وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَقل رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين﴾
فهما يدلان على أَن مَا كَانَ من أَمر الْبَاطِن فالاستعاذة بِهِ وَمَا كَانَ من أَمر الظَّاهِر فالاستعاذة بكلمته لِأَن مَا هُوَ فِي الظَّاهِر هُوَ بقوله كن وَمَا فِي الْبَاطِن صنعه وَقَالَ ﴿قل أعوذ بِرَبّ النَّاس﴾
ثمَّ قَالَ ﴿ملك النَّاس﴾
ثمَّ قَالَ ﴿إِلَه النَّاس﴾ أمره أَن يستعيذ بِثَلَاثَة من أَسْمَائِهِ ﴿من شَرّ الوسواس﴾ وَهُوَ بَاطِن
فَقَوله رب أَي مَالك ربني فلَان يربنِي فَهُوَ راب ثمَّ قَالُوا رب فحذفوا الْألف كَمَا قَالُوا بار ثمَّ قَالُوا بر فَقَوله رب يُؤَدِّي إِلَى الْملك وَملك يُؤَدِّي إِلَى الْملك وإله يُؤَدِّي إِلَى وَله الْقُلُوب فالوسواس آفَة على الْقلب أمره أَن يستعيذ بِمَالك وَملك وإله لِأَن الْمَالِك الَّذِي أحَاط بهم فملكهم وَالْملك الَّذِي نفذ أمره فيهم والاله الَّذِي أَوله الْقُلُوب إِلَى نَفسه
1 / 65
من شر الوسواس الخناس وسوس عِنْد الْغَفْلَة وخنس عِنْد الذّكر فاشتق لَهُ اسمان من فَعَلَيهِ
ثمَّ بَين أَيْن مَوْضِعه من الْجَسَد فَقَالَ ﴿الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس﴾ والصدر ساحة الْقلب وَفِيه الْفِكر وَمِنْه تصدر الْأُمُور
ثمَّ بَين أَن الوسوسة جِنْسَانِ فَقَالَ من الْجنَّة وَالنَّاس وَسْوَسَة جنية وَهِي الشَّيْطَان ووسوسة إنسية وَهِي النَّفس
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس ﵄ أَنه قَالَ هما وسواسان وَإِنَّمَا قَالَ وسوس لِأَنَّهُ يزعج وَقَوله أز يؤز أَي أزعج يزعج وَقَالَ فِي تَنْزِيله ﴿تؤزهم أزا﴾ وَالْهَاء والهمزة وَالْوَاو اخوات تجزىء الْوَاحِدَة عَن صاحبتيها فَقَوله أز وهز ووز بِمَعْنى وَاحِد إِلَّا أَن كل وَاحِدَة تسْتَعْمل فِي نوع والزاء وَالسِّين أختَان تجزىء إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى كَمَا قَالُوا صقر وزقر وسقر فَقَوله وز وَقَوله وس يوس بِمَعْنى وسوس وَقَوله وسوس فِي قالب الْعَرَبيَّة فع فع لِأَنَّهُ فِي الأَصْل وس ثمَّ كرر فَقيل وسوس لِأَن فعله على الْقلب مردد مُكَرر فَأمره أَن يستعيذ بالأسماء الثَّلَاثَة مِنْهُ
1 / 66
ثمَّ قَالَ ﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق﴾ وكل مَا انْفَلق شَيْء عَن شَيْء فَهُوَ فلق قَالَ أهل التَّفْسِير الفلق وَاد فِي جَهَنَّم إِذا فتح وانفلق هر أهل النَّار من شدَّة حره وَقَالَ بَعضهم الفلق الصُّبْح لِأَنَّهُ انْفَلق عَن اللَّيْل وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فالق الإصباح﴾
وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿فالق الْحبّ والنوى﴾
فالحبة تنفلق فتنبت والنوى كَذَلِك أَيْضا وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُم اخْتِلَاف لِأَن الْكَلِمَة تُؤدِّي إِلَى كل شَيْء انْفَلق واعظم فلق فِي الدُّنْيَا فلق قلب الْمُؤمن بِنور الله تَعَالَى فَقَالَ ﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق﴾ وَهُوَ فلق الْقلب إِذا انْفَلق بنوره
وَرُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ للقلب أذنان وعينان فَإِذا أَرَادَ الله تَعَالَى بِعَبْد خيرا فتح عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي قلبه
﴿من شَرّ مَا خلق﴾ وَهُوَ ظلمَة الْكفْر ﴿من شَرّ غَاسِق إِذا وَقب﴾ والغسق الظلمَة وَهِي ظلمَة الْمعاصِي وَقَوله وَقب أَي دخل ﴿وَمن شَرّ النفاثات فِي العقد﴾ وَهُوَ السحر يعْقد السَّاحر الَّذِي قد بَاعَ آخرته بدنياه فاعطى مَا تمنى وَاخْتَارَ وربنا ﷿ وَاسع كريم طلب آدم التَّوْبَة وَالطَّاعَة فَأعْطِي وَطلب إِبْلِيس تضليل ولد
1 / 67
آدم وغوايتهم وَأَن يعْطى سُلْطَان ذَلِك لَهُ فَأعْطِي وَطلب السَّاحر منى الدُّنْيَا وَأَن يعْطى كل شَيْء يتمناه برفض الْآخِرَة وَأَن لَا خلاق لَهُ فِيهَا فَأعْطِي فَهُوَ يعْقد خيطا أَو وترا على منيته وينفث فِيهِ من نَفسه الخبيثة فيصل ضَرَره الى من يتَمَنَّى ذَلِك عَلَيْهِ ﴿وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله﴾
وَلما سحر رَسُول الله ﷺ حَتَّى عجز عَن نِسَائِهِ وَأخذ بِقَلْبِه لبث فِي ذَلِك سِتَّة أشهر فِيمَا رُوِيَ فِي الْخَبَر ثمَّ نزلت المعوذتان إِحْدَى عشرَة آيَة واستخرج الْوتر فِيهِ العقد من ذَلِك الْبِئْر فَكَانَ كلما قَرَأَ آيَة من المعوذتين انْحَلَّت عقدَة حَتَّى حل العقد كلهَا وبرىء ﴿وَمن شَرّ حَاسِد إِذا حسد﴾ وَهُوَ الْعين والحاسد والحاصد بِمَعْنى فَهُوَ يحصده بِعَيْنِه أَي يقطعهُ من الأَصْل هَلَاكًا ودمارا وَهُوَ أَن يعجب بالشَّيْء فَلَا يذكر خالقه فَإِذا هُوَ قد حصده ودمره والحسد إرادتك الَّتِي تُرِيدُ بهَا إبِْطَال
1 / 68
ذَلِك الشَّيْء فنوره فلق الظُّلُمَات وَهُوَ فِي دَعْوَة إِدْرِيس ﵇ أَنْت الَّذِي فلق الظُّلُمَات نوره فاذا أورد على الْقلب نوره فلق الظُّلُمَات فَجَمِيع مَا ذكر فِي التَّنْزِيل من الِاسْتِعَاذَة بِهِ وَجَدْنَاهُ يؤول الى الْبَاطِن من الْأُمُور وَمَا جَاءَ عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ أَمرنِي جِبْرِيل ﵇ أَن أكررهن فِي السُّجُود
وَأَعُوذ بعفوك من عقابك فاستعاذ بِالْعَفو من الْعقَاب لِأَنَّهُ ضِدّه وَأَعُوذ برضاك من سخطك فالرضى ضد السخط
ثمَّ قَالَ وَأَعُوذ بك مِنْك فاستعاذ بِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا ضد لَهُ وَهُوَ كَقَوْلِه لَا مفر مِنْك إِلَّا إِلَيْك وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَفرُّوا إِلَى الله﴾ أَي فروا مِنْهُ إِلَيْهِ
1 / 69
- الأَصْل الثَّانِي
-
فِي كلمة النَّجْوَى
عَن نَافِع عَن ابْن عمر ﵄ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يجلس الرجل إِلَى الرجلَيْن إِلَّا على إِذن مِنْهُمَا إِذا كَانَا يتناجيان
رُوِيَ عَن النَّضر فِيمَا يحْكى عَن أهل اللُّغَة أَن الْجَمَاعَة إِذا لم يكن فيهم
1 / 70
غَرِيب فحديثهم نجوى وَإِن جهروا فِيمَا بَينهم وَإِذا كَانُوا ثَلَاثَة وَفِيهِمْ غَرِيب فَلَيْسَ حَدِيثهمْ بنجوى وَإِن أسروه قَالَ الله تَعَالَى فَلَمَّا استيئسوا مِنْهُ خلصوا نجيا
وَأهل النَّجْوَى إِذا اجْتَمعُوا نجيا فكأنهم فِي ستر أَو وَطن فَكَمَا يجب الاسْتِئْذَان فِي الدُّخُول عَلَيْهِم فِي أوطانهم فَكَذَلِك يجب الاسْتِئْذَان فِي الْجُلُوس إِلَيْهِم فَإِن ذَلِك أَذَى لَهُم وَقطع عَلَيْهِم وهتك لسترهم وَهَذَا كُله لعظم حُرْمَة الْمُؤمن وتجنب أَذَاهُ وَإِذا كَانَ وَحده فَفِيهِ سَعَة لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ سر يطلع عَلَيْهِ وَلَكِن يحِق على الْوَرع أَن يتحين الْوَقْت وَالْحَال وَأَن يتَجَنَّب التثقيل
قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ ﵀ من أَمن الثّقل ثقل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ﵀ عَن حَمَّاد من خَافَ أَن يكون ثقيلا فَلَيْسَ بثقيل
قَالَ مُغيرَة لقد نهى الله تَعَالَى عَن التثقيل فِي قَوْله الْكَرِيم ﴿فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا وَلَا مستأنسين لحَدِيث﴾
إِلَى قَوْله وَالله لَا يستحي من الْحق
وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي بعض أَزوَاج النَّبِي ﷺ أحسبها زَيْنَب ﵂ تزوج رَسُول الله ﷺ بهَا وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا فَلَمَّا أطْعمهُم أَرَادَ رَسُول الله ﷺ أَن يَخْلُو بأَهْله فقعدوا بعد الطَّعَام
1 / 71
يتحدثون فِي بَيته وَرَسُول الله ﷺ مرّة يخرج وَمرَّة يدْخل وهم فِي الْبَيْت قعُود لَا يبرحون فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة ﵁ إِذا استثقل رجلا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لنا وَله وَأَرِحْنَا مِنْهُ
وَقَالَ حَاتِم بن عبد الله الأشجي انْتَهَيْت مَعَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِلَى أبي حنيفَة اليمامي ﵀ وَإِذا هُوَ جَالس فِي تُرَاب فَدَنَوْنَا مِنْهُ وَسلمنَا عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ سُفْيَان رَحِمك الله تَأذن فنجلس إِلَيْك قَالَ لَا فرجعنا فَقَالَ سُفْيَان إِن الرجل فِي كل حالاته يحب أَن يجلس إِلَيْهِ
1 / 72
- الأَصْل الثَّالِث
-
فِي تَأْثِير الْغَضَب فِي الْإِيمَان
عَن بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي عَن أَبِيه عَن جده رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِوَصِيَّة قَصِيرَة فألزمها قَالَ لَا تغْضب يَا مُعَاوِيَة بن حيدة إِن الْغَضَب يفْسد الْإِيمَان كَمَا يفْسد الصَّبْر الْعَسَل
وَعَن ابْن مَسْعُود ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ
1 / 73
إِن الْغَضَب ميسم من نَار جَهَنَّم يَضَعهُ الله تَعَالَى على نِيَاط أحدهم أَلا ترى أَنه إِذا غضب احْمَرَّتْ عينه واربد وَجهه وَانْتَفَخَتْ أوداجه
وَقَالَ فِي حَدِيث آخر إِن الْغَضَب جَمْرَة توقد فِي قلب ابْن آدم أَلا ترى إِلَى انتفاخ أوداجه وَحُمرَة عَيْنَيْهِ وَذَلِكَ أَن الشَّيْطَان ينْفخ فِي تِلْكَ الْجَمْرَة
فَشبه رَسُول الله ﷺ ذَلِك بالعسل وَالصَّبْر فَكَمَا يفْسد الصَّبْر الْعَسَل فَكَذَلِك الْغَضَب يدنس الْإِيمَان ومرارته تذْهب حلاوته ونزاهته فالإيمان حُلْو نزه وَالْغَضَب مر دنس
وَرُوِيَ عَن عِيسَى ﵇ أَنه سَأَلَهُ يحيى بن زَكَرِيَّا ﵇ عَن الْغَضَب مَا بدؤه قَالَ الْكبر أَلا ترى أَنَّك تغْضب على من هُوَ دُونك وَلَا تغْضب على من هُوَ فَوْقك بِمثلِهِ
وَقَالَ رَسُول الله ﷺ لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر قيل فَمَا الْكبر يَا رَسُول الله قَالَ أَن تسفه الْحق وَتغمضُ النَّاس أَي تحقرهم
1 / 74
وَعَن أنس ﵁ عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ يَقُول الله ﷿ لي العظمة والكبرياء وَالْفَخْر وَالْقدر سري فَمن نَازَعَنِي فِي وَاحِدَة مِنْهُنَّ كببته فِي النَّار وَالْإِيمَان هُوَ خضوع العَبْد والقاؤه بِيَدِهِ لَهُ سلما وَالْكبر ضِدّه وَالْغَضَب مِنْهُ يَبْدُو وَينْزع الشَّيْطَان بنفثه ونفخه حَتَّى يتوقد ويهتاج فَلذَلِك قَالَ يفْسد الْإِيمَان
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَذَلِكَ عِنْدَمَا رأى رجلا يتمرغ أَنفه من الْغَضَب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَإِنَّمَا وضع هَذَا الميسم من النَّار فِي هَذَا الْموضع من الْآدَمِيّ لكَي يغْضب لله تَعَالَى فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يَنْبَغِي فَإِن فِي الْغَضَب قُوَّة للآدمي على أَمر الله تَعَالَى وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى أَن يعادي اعداءه ويحاربهم فبالغضب
1 / 75
يتقوى حَتَّى يحاربهم ويغير الْمُنكر وَيُقِيم حُقُوق الله تَعَالَى وحدوده فللحق نفخة فِي تِلْكَ الْجَمْرَة وللشيطان نفخة فِي وقته فنفخة الشَّيْطَان لَهَا رجاسة تفْسد الْإِيمَان وطهارته وطيبه وَإِذا كَانَت نفخة الْحق فَإِنَّهُ يتقوى ويحمر وَجهه ويمتلىء من نور الْحق وَلَا يفْسد الْإِيمَان وَكَانَ رَسُول الله ﷺ إِذا غضب غضب لله تَعَالَى وَلَا يغْضب لنَفسِهِ وَلَا لدنياه وَكَانَ إِذا غضب رُؤِيَ ذَلِك الْعرق بَين عَيْنَيْهِ يرد من الْغَضَب وَيظْهر نتوؤه وانتفاخه وتحمر وجنتاه
وَكَانَ مُوسَى ﵇ إِذا غضب اشتعلت قلنسوته نَارا
1 / 76
- الأَصْل الرَّابِع
-
فِي أدب الانتعال
عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِذا انْتقل أحدكُم فليبدأ بِالْيَمِينِ فَإِذا نَزغ فليبدأ بالشمال وَليكن بِالْيَمِينِ أَولهمَا يلبس وآخرهما ينْزع
الْيَمين مَحْبُوب الله ومختاره من الْأَشْيَاء فَأهل الْجنَّة عَن يَمِين الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة وَأهل السَّعَادَة يُعْطون كتبهمْ بأيمانهم وكفة الْحَسَنَات من الْمِيزَان عَن الْيَمين والكرام الكاتبون وَكَاتب الْحَسَنَات مِنْهُم عَن الْيَمين
وَكَانَ رَسُول الله ﷺ يتوخى فِي كل فعل من مثل هَذَا الْيَمين
1 / 77
توخيا لمختار الله تَعَالَى وَكَانَ إِذا شرب أعْطى الْأَيْمن فالأيمن جرعته حَتَّى أَنه شرب يَوْمًا وَأَبُو بكر ﵁ عَن يسَاره وَغُلَام إعرابي عَن يَمِينه فَقَالَ للغلام أتأذن لي فَأعْطِي الْأَشْيَاخ فَقَالَ مَا كنت لأوثر بِفَضْلِك على نَفسِي أحدا فَأعْطَاهُ الْغُلَام وَكَانَ يبْدَأ باليمنى إِذا دخل الْمَسْجِد ثمَّ إِذا خرج أَو نزع نَعله بَدَأَ باليسرى كي يكون الْيَمين آخر الْعَهْد بِمَسْجِد الله تَعَالَى وَبِمَا هُوَ خير للقدم ورفق لَهُ وَكَانَ يسْتَعْمل تَدْبِير الله تَعَالَى ويفتقده فِي كل شَيْء حَتَّى فِي ترجله وتنعله وَطهُوره
وَعَن أنس ﵁ قَالَ لما رمى رَسُول الله ﷺ الْجَمْرَة وَنحر نُسكه ناول رَأسه الحلاق فَقَالَ ابدأ بالشق الْأَيْمن فحلقه فَأعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة ثمَّ نَاوَلَهُ الْأَيْسَر فحلقه فَقَالَ اقسمه بَين النَّاس
وَعَن ابْن عمر ﵄ عَن رَسُول الله ﷺ أَنه قَالَ إِذا أكل أحدكُم فَليَأْكُل بِيَمِينِهِ وَإِذا شرب أحدكُم فليشرب بيمنه
1 / 78