إذا ما بكى دمعا بكيت له دما
قلت لها: فما عندك في إجازة هذا البيت:
بديع حسن بديع صد
جعلت خدي له ملاذا
فأطرقت ساعة، ثم قالت:
فعاتبوه فعنفوه
فأوعدوه فكان ماذا
الرشيد والراعي النبيه
كان لراعي مواش دعوى على رجل، فأتى الرشيد يشكو خصمه، وبعد أن بسط دعواه قال: وعلى كل حال الأمر لله ثم لدولتكم؛ فاحكموا بهذه الدعوى حسب ما تقتضيه حكمتكم، وأنا متخذكم لي كالسطل والكلب؛ فإنهما عوني وملجئي! فلما سمع الرشيد ذلك قال له: ماذا تقول؟! فأعاد ما قاله؛ فاستشاط الرشيد غضبا، وأمر حاجبه للحال أن يوثق الراعي بالحبال ويودع السجن ليقتله في اليوم التالي، فلما بلغ الوزير ذلك سأل الرشيد العفو عن الراعي، وأنه لو لم يكن ذا ذكاء وعقل ثاقب لما وصفه بما وصف، والتمس منه أن يسلمه الراعي مدة وجيزة؛ ليدرسه قليلا، وحينئذ يمثله في نادي الرشيد ويطلب إليه أن يصفه، فإن عاد وقال ما قاله قبلا يضرب عنقه وإلا يكرمه.
فأجاب التماسه وسلمه الراعي، فمضى به إلى بيته، وقال له: ماذا حملك على وصف الملك بالسطل والكلب؟ قال: اعلم يا مولاي أنني لم أخطئ بذلك؛ فإن السطل هو الإناء الذي أحفظ به الحليب، والكلب هو الذي يحرس المواشي من الوحوش، وبما أنهما الواسطة الوحيدة لمعيشتي وصفته بهما. فعجب الوزير من ذكائه، وأخذ يدرسه أصول العربية برهة من الزمان، ثم أحضره أمام الرشيد لإتمام وعده له، أما الرشيد فأمر أحد أصحابه أن يسل سيفه، ويقبل ليضرب عنق الراعي إذا عاد فوصف الملك بما وصفه قبلا، فامتثل وسار نحو الراعي وهو مشهر الحسام، فلما رآه أنشد:
Página desconocida