قال ذو النون المصري: خرجت يوما من وادي كنعان، فلما علوت الوادي إذا بسواد مقبل علي وهو يقول:
وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (الزمر: 47) ويبكي، فلما قرب مني السواد إذا بامرأة عليها جب صوف وبيدها ركوة فقالت لي: من أنت؟ غير فزعة مني، فقلت: رجل غريب. فقالت: يا هذا، وهل تجد مع الله غربة؟! فبكيت من قولها، فقالت: ما الذي يبكيك؟! فقلت: وقع الدواء على داء قد قرح فأسرع في نجاحه. قالت: فإن كنت صادقا فلم بكيت؟! قلت: يرحمك الله، الصادق لا يبكي؟! قالت: لا، قلت: ولم ذاك؟! قالت: لأن البكاء راحة للقلب! قال ذو النون: فبقيت والله متعجبا من قولها.
بعض العارفين والرجل
مر رجل ببعض العارفين وهو يأكل بقلا وملحا، فقال: يا عبد الله، أرضيت من الدنيا بهذا؟! فقال العارف: ألا أدلك على من رضي بشر من هذا؟! فقال: نعم. قال: من رضي بالدنيا عوضا عن الآخرة.
الغزالي وبعض الصلحاء
قال بعض الصلحاء: رأيت الغزالي في البرية وعليه مرقعة وبيده ركوة وعصا، فقلت: أيها الإمام، أليس تدريس العلم ببغداد خيرا من هذا؟! فنظر إلي نظر الازدراء، وقال: لما بزغ بدر السعادة من فلك الإرادة، وجنحت شمس الأصول إلى مغارب الوصول:
تركت هوى سعدى وليلى بمعزل
وعدت إلى مصحوب أول منزل
ونادت بي الأشواق مهلا فهذه
منازل من تهوى رويدك فانزل
Página desconocida