فامهد لنفسك ساعدا تسعد به
فلتندمن غدا إذا لم تفعل
فانتبهت فزعا، فخرجت من ساعتي هاربا إلى ربي.
عبد الواحد بن زيد والمرأة الحكيمة
قال عبد الواحد بن زيد: ذكر لي أن في جوانب الإبلة جارية مجنونة تنطق بالحكمة، فلم أزل أطلبها حتى وجدتها في خرابة جالسة على حجر وعليها جبة صوف وهي محلوقة الرأس، فلما نظرت إلي، قالت من غير أن أكلمها: مرحبا يا عبد الواحد. فقلت لها: رحب الله بك! وعجبت من معرفتها لي ولم ترني قبل ذلك! فقالت: ما الذي جاء بك ها هنا؟ فقلت: جئت لتعظيني. فقالت: وا عجباه لواعظ يوعظ! ثم قالت: يا عبد الواحد، اعلم أن العبد إذا كان في كفائه ثم مال إلى الدنيا سلبه الله حلاوة الزهد، فيظل حيران والها، فإن كان له نصيب عند الله عاتبه وحيا في سره، فقال: عبدي، أردت أن أرفع قدرك عند ملائكتي وحملة عرشي، وأجعلك دليلا لأوليائي وأهل طاعتي في أرضي؛ فملت إلى عرض من أعراض الدنيا وتركتني، فورثتك بذلك الوحشة بعد الأنس، والذل بعد العز، والفقر بعد الغنى، عبدي، ارجع إلى ما كنت عليه أرجع لك ما كنت تعرفه من نفسك. ثم تركتني وولت وانصرفت عنها وبقلبي حسرة منها.
الراهب والرجل
صحب رجل راهبا سبعة أيام؛ ليستفيد منه شيئا، فوجده مشغولا عنه بذكر الله تعالى وعن الفكر لا يفتر، فلما كان اليوم السابع، التفت إليه قائلا: يا هذا، قد علمت ما تريد، حب الدنيا رأس كل خطيئة، والزهد في الدنيا رأس كل خير، والتوفيق نتاج كل خير. قال: فكيف أعرف ذلك؟ قال: كان جدي رجلا من الحكماء قد شبه الدنيا بسبعة أشياء؛ فشبهها بالماء المالح يغر ولا يروي ويضر ولا ينفع، وبسحاب الصيف يغر ولا ينفع، وبطل الغمام يغر ويخذل، وبزهر الربيع ينضر ثم يصفر فتراه هشيما، وبأحلام الهائم يرى السرور في منامه، فإذا استيقظ لم يكن في يده إلا الحسرة، وبالعسل المشوب بالسم الزعاف يلذ ويقتل، فتدبرت هذه الحروف السبعة سبعين سنة، ثم زدت حرفا واحدا؛ فشبهتها بالغول التي تهلك من أجابها، وتترك من أعرض عنها، فرأيت جدي في المنام يقول: يا ابن الرشيد، إنك مني وأنا منك، هي والله الغول التي تهلك من أجابها وتترك من أعرض عنها. قلت: فبأي شيء يكون الزهد في الدنيا؟ قال: باليقين، واليقين بالصبر، والصبر بالعين، والعين بالفكر. ثم وقف الراهب، وقال: خذها منا فلا أراك خلفي إلا متجردا بفعل دون قول. فكان ذلك آخر العهد به.
ملك إسرائيل والرجل
ركب أحد ملوك إسرائيل يوما في زي عظيم، فشخصت نحوه الناس ينظرون إليه أفواجا، حتى مر برجل ورأى شيئا مكبا عليه وهو لم يلتفت إليه ولا رفع رأسه، فوقف الملك عليه، وقال: كل الناس ينظرون إلي إلا أنت! فقال الرجل: إني رأيت ملكا مثلك وكان على هذه القرية فمات مع فقير فدفن إلى جنبه في يوم واحد، وكنا نعرفهما في الدنيا بأجسادهما، ثم كنا نعرفهما بقبريهما، ثم نسفت الريح قبريهما وكشف عنهما فاختلطت عظامهما، فلم أعرف الملك من المسكين، فلذلك أقبلت على عملي، وتركت النظر إليك.
النعمان والحكيم
Página desconocida