ولذلك ما كاد يجلس في تلك القهوة بضع مرات حتى علم أن في أحد المنازل المقابلة لها سيدة طرحت العفاف قصيا وأخذت تأتي ما لا تحلله الشرائع تحت الستار، وهي تظن أن ليس بين الناس من هو واقف على منكراتها إلا عشاقها وقد كانوا قليلين.
وغني عن البيان أن في مصر كثيرات على شاكلة هذه السيدة يأتين أنواع الفجور متحجبات عن أنظار الرقباء والعذال، وندر أن يعرف القريبون منهن أنهن على ضلال؛ لأن هؤلاء الفاجرات المتسترات يتظاهرن دائما بالتقى والإصلاح، ولذلك قال المثل العامي: خف من الذي يكثر من الصلوات.
ولو درت تلك المرأة المشار إليها أن حافظ نجيب أخذ في مراقبتها وعرفت من هو حافظ نجيب لأقلعت عن الإثم وتجلببت بجلباب الطهر والعفاف، ولكنها كانت تجهل أن عين حافظ ترقبها، ولذلك ظلت ناهجة منهجها غائصة في بحر خضم من الشرور والجرائم.
والظاهر أن حافظا راقه جمال تلك الحسناء، فعول على أن يكون أحد أولئك العشاق الذين يتطلعون إلى ما تضمه القصور والدور من السيدات، غير خاشين عقاب الضمير ولا موقف الديان.
فماذا فعل؟
لقد تمكن بدهائه واقتداره من معرفة واحد من عشاق تلك الحسناء، وهو بكل أسف من ذوي الألقاب العالية والوظائف السامية الذين إذا وجدوا في محفل أعجب بهم القوم، وكانوا موضوع التجلة والإكرام.
فلما وقف حافظ على هذا السر المكتوم تنكر بلباس خدم العيون والوجهاء وقصد إلى منزل تلك السيدة، وبعد أن قرع الباب طلب مواجهتها شخصيا لأمر يهمها، فلم تمتنع عن مقابلته، ولعلها تعودت السماح لمثله من الخدم بالمثول بين يديها.
وعندما تمكن من مقابلتها قال لها: إن سيدي البك قد أرسلني إليك سرا ليبلغك أنه في انتظارك في منزل خاص تمكن من إعداده اليوم للاجتماع بحضرتك فيه، وقد أكد علي أن أذهب بك إليه في هذه الساعة حيث هو بانتظارك على أحر من الجمر، وقد أرسل معي عربته الخاصة لتقلك إليه على عجل.
وبعد محاورة غير طويلة بين الخادم «حافظ نجيب» وبين تلك السيدة الحسناء قالت له: إني خائفة من الذهاب. فأقسم لها بأغلظ الأيمان على أنها في أمن تام، وعلى ألا يكون معها سواه، فتمكن بحديثه الخلاب وتأثيره العجيب من حملها على مطاوعته، فتركها عند ذاك وخرج حيث وقف على باب المنزل بانتظارها.
وقد جاء حافظ بعربة خاصة فعلا استأجرها من بعض الناس الذين يؤجرون أمثال هذه العربات للفنادق الكبرى وأرباب الأفراح، فما انتظر طويلا حتى هبطت عليه السيدة من منزلها متنكرة بحجاب كثيف يحجب عن عين المجتلي محاسن وجهها الجميل الفتان، فأسرع حافظ إلى جانب الحوذي وأمره بالمسير، حتى إذا ما وصل إلى البيت الذي كان يقصده أوقف العربة وتقدم السيدة صاعدا إليه، فتبعته على عجل مخافة أن تقع عليها عين عاذل أو رقيب .
Página desconocida