وجوه مرمرها، وزادت بهجة جباهها وطررها، وتخلقت أثواب ساجها واجتمع شمل أبنوسها وعاجها، وعلت رتبة أرائكها، وغلت قيمة سبائكها، فلو ساجلها الروض لذهب مع الرياح عرفه ولو كحل بنورها الأعمى لارتد إليه طرفه:
ديار عليها من بشاشة أهلها ... بقايا تسر النفس أنسًا ومنظرا
فلما أحاط علمي بغوره ونجده، وبلغ رائد فكري منه غاية قصده، أدخلته في زمرة عقائل المعاقل، ونظمته في سلك ما أتكلم عليه في المحافل، وسألته عن بانيه وساكنيه فلم يجب. ثم قال بلسان الحال: كل منهم بغمام الرغام قد حجب. فحققت أن الدهر يديل كل مصون، وتلوث: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ وخرجت منه معتبرًا، وظلت في طريقي متذكرًا:
قلت يومًا لدار قوم تناءوا ... أين سكانك الكرام لدينا؟
فأجابت هنا أقاموا قليلًا ... ثم ساروا، ولست أعلم أينا؟
الفصل الثامن: في الأشجار والثمار
لما صدئت مرآة الجنان، قصدت لجلائها الجنان، فطرقت الباب فقيل: من؟ فقلت: فتى لا يدري من له فتن؟ ففتح
1 / 30