وفي ذلك من جور الحكم في العقل والمقال، ما لا يجهل جوره أجهل الجهال، بل فيه عن الله أحول المحال، وما لا يمكن اجتماعه في حال، فلما قطعهم صلى الله عليه وسلم بحجته في مقالته، خسئوا صاغرين عن منازعته ومجادلته ، فلما صموا عن إجابته بعد الهدى، هاجر إلى الله سبحانه عنهم مجاهدا، وقال: { إني ذاهب إلى ربي سيهدين } [الصافات: 99]. يريد: سيهدين يزيدني بمهاجرتي إليه من هداه فيقويني، فهداه في هجرته سبيله، وجعله بهداه له خليله، فلم يزل صلى الله عليه وسلم مهتديا، حتى قبضه الله على هداه ورشده رضيا، فأجزل له في الهدى والهجرة الثواب والرحمة، وجعل في ذريته من بعده النبوة والبيان والحكمة، وأعطاه برحمته وفضله الله رب العالمين، ما سأله أن يجعله له من لسان صدق في الآخرين، فبقي في الغابرين بالصالحات ذكره، وآتاه بذلك في الدنيا أجره، كما قال أرحم الراحمين: { وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [العنكبوت: 27]. فنسأل الله الذي أجزل له في الدنيا والآخرة من الخير أن يجعلنا، له برحمته من صالح الأبناء، وأن يهبنا بطاعته له وعبادته، شكر ما أنعم به علينا من ولادته.
تم الكتاب بحمد الله العزيز الوهاب فله الحمد كثيرا، وله الشكر بكرة وأصيلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
Página 60