217

Nashr en las diez lecturas

النشر في القراءات العشر

Editor

علي محمد الضباع (المتوفى ١٣٨٠ هـ)

Editorial

المطبعة التجارية الكبرى [تصوير دار الكتاب العلمية]

وَالْخَلَفِ، وَهُوَ أَنَّ التَّرْتِيلَ وَالتَّدْبِيرَ مَعَ قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنَ السُّرْعَةِ مَعَ كَثْرَتِهَا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقُرْآنِ فَهْمُهُ وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَتِلَاوَتُهُ وَحِفْظُهُ وَسِيلَةٌ إِلَى مَعَانِيهِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃، وَسُئِلَ مُجَاهِدٌ عَنْ رَجُلَيْنِ قَرَأَ أَحَدَهُمَا الْبَقَرَةَ وَالْآخَرُ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي الصَّلَاةِ وَرُكُوعُهُمَا وَسُجُودُهُمَا وَاحِدٌ، فَقَالَ: الَّذِي قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَحْدَهَا أَفْضَلُ. وَلِذَلِكَ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ يُرَدِّدُ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ إِلَى الصَّبَاحِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ فَاتَّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا. وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ أَقْرَأَ فِي لَيْلَتِي حَتَّى أُصْبِحَ (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ، وَالْقَارِعَةُ) لَا أَزِيدُ عَلَيْهِمَا وَأَتَرَدَّدُ فِيهِمَا وَأَتَفَكَّرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَهُذَّ الْقُرْآنَ هَذًّا، أَوْ قَالَ: أَنْثُرُهُ نَثْرًا، وَأَحْسَنَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا ﵀ فَقَالَ: إِنَّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التَّرْتِيلِ وَالتَّدَبُّرِ أَجَلُّ وَأَرْفَعُ قَدْرًا، وَإِنَّ ثَوَابَ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا. فَالْأَوَّلُ كَمَنْ تَصَدَّقَ بِجَوْهَرَةٍ عَظِيمَةٍ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدًّا، وَالثَّانِي كَمَنْ تَصَدَّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ أَعْتَقَ عَدَدًا مِنَ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ رَخِيصَةٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ ﵀: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْتِيلَ مُسْتَحَبٌّ لَا لِمُجَرَّدِ التَّدَبُّرِ، فَإِنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَى الْقُرْآنِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا فِي الْقِرَاءَةِ التَّرْتِيلُ وَالتُّؤَدَةُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ مِنَ الْهَذْرَمَةِ وَالِاسْتِعْجَالِ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ التَّرْتِيلِ وَالتَّحْقِيقِ: أَنَّ التَّحْقِيقَ يَكُونُ لِلرِّيَاضَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّمْرِينِ، وَالتَّرْتِيلَ يَكُونُ لِلتَّدْبِيرِ وَالتَّفَكُّرِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، فَكُلُّ تَحْقِيقٍ تَرْتِيلٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَرْتِيلٍ تَحْقِيقًا، وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا فَقَالَ: التَّرْتِيلُ تَجْوِيدُ الْحُرُوفِ وَمَعْرِفَةُ الْوَقْفِ.
[فصل في التجويد جامع للمقاصد حاوي للفوائد]
وَحَيْثُ انْتَهَى بِنَا الْقَوْلُ إِلَى هُنَا فَلْنَذْكُرْ فَصْلًا فِي التَّجْوِيدِ يَكُونُ جَامِعًا لِلْمَقَاصِدِ حَاوِيًا لِلْفَوَائِدِ، وَإِنْ كُنَّا قَدْ أَفْرَدْنَا لِذَلِكَ كِتَابَنَا: التَّمْهِيدُ فِي التَّجْوِيدِ، وَهُوَ مِمَّا

1 / 209