Origen de los Derechos Humanos: Una perspectiva histórica
نشأة حقوق الإنسان: لمحة تاريخية
Géneros
47
أخيرا تحول المصلحون عن هذه الافتراضات الفلسفية والسياسية لهذا النموذج وتبنوا بدلا منها سياسة التهذيب من خلال التعليم وتجربة الخصال البشرية الطيبة الأصيلة. وبحلول منتصف القرن الثامن عشر، اعتنق بعض فلاسفة عصر التنوير وجهة نظر حول العواطف والأهواء لا تختلف عن تلك التي اقترحها مؤخرا طبيب الأمراض العصبية أنطونيو داماسيو، الذي يصر على أن العواطف في غاية الأهمية للعقل والوعي، ولا تتعارض معهما. ومع أن داماسيو ينسب أصوله الفكرية إلى الفيلسوف الهولندي سبينوزا الذي عاش في القرن السابع عشر، فإن النخب الأوروبية لم تقبل عموما تقييما أكثر إيجابية للعواطف - أو الأهواء، وفق مصطلحاتهم - إلا في القرن الثامن عشر. اكتسب «مذهب سبينوزا» سمعة رديئة باعتباره يؤدي إلى «المادية» (الروح عبارة عن مادة، ومن ثم فلا وجود للروح)، والإلحاد (الإله هو الطبيعة، ومن ثم لا يوجد إله). غير أنه بحلول منتصف القرن الثامن عشر، قبل بعض الأفراد المتعلمين المستنيرين نوعا ما من المادية الضمنية أو المعتدلة، التي لم تناد بأي مزاعم لاهوتية بشأن الروح، لكنها أكدت على أن المادة بمقدورها أن تفكر وتشعر. هذا التصور المعدل عن «المادية» أفضى منطقيا إلى توجه المساواة بين البشر باعتبار أن كل البشر يملكون نفس البناء البدني والعقلي، ومن ثم فإن التجارب والتعليم، وليس الميلاد والمنشأ، هي التي تفسر الفروق بينهم.
48
وسواء اعتنقوا فلسفة مادية واضحة أم لا - ومعظم الناس لم يعتنقوها بالفعل - فإن كثيرين من النخب المثقفة اعتنقوا وجهة نظر حول العواطف أو الأهواء مختلفة تماما عن تلك التي اعتنقها مويارت. وباتت العواطف والعقل ينظر إليهما على أنهما شريكان. ووفقا لرأي عالم الفسيولوجيا تشارلز بونيت، فإن العواطف هي «المحرك الفريد للكائن الحساس، وللكائنات العاقلة». كانت العواطف صالحة ويمكن شحذها بواسطة التعليم من أجل تطوير الإنسانية، التي يمكن النظر إليها الآن على أنها قابلة للوصول إلى الكمال وليست شريرة بالفطرة. وبحسب وجهة النظر تلك؛ حقا أخطأ المجرمون لكن يمكن إعادة تهذيبهم . وعلاوة على ذلك فإن الأهواء، المعتمدة على البيولوجيا، تتطور نحو حساسية أخلاقية؛ فالإحساس هو رد فعل عاطفي تجاه شعور مادي، والأخلاق هي تهذيب هذا الإحساس لإبراز مكونه الاجتماعي (ملكة الحس). عبر لورنس ستيرن، الروائي المفضل لتوماس جيفرسون، عن العقيدة الجديدة لعصره على لسان شخصيته الروائية الرئيسية «يوريك» في روايته التي تحمل عنوانا بالغ الدلالة «رحلة عاطفية»:
ملكة الحس العزيزة! ... يا نافورة مشاعرنا المتدفقة للأبد! - ها أنا أجد في طلبك - وها هي قدسيتك تجيش بداخلي ... حتى إن بعض مشاعر الفرحة والاهتمام تفيض من نفسي - وجميعها تنبع منك أيتها العظيمة - يا مركز الحس العظيم في العالم! الذي يهتز إذا وقعت شعرة من شعر رءوسنا أرضا، ولو في أبعد صحراء في خليقتك.
رأى ستيرن هذه الملكة حتى في «أكثر الفلاحين غلظة وفظاظة».
49
قد يبدو من غير المنطقي أن نربط بين مظاهر التمخط في المناديل، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو مطالعة الروايات، أو أن يأتي الفرد بمن يرسم له لوحة، وبين إلغاء التعذيب وتخفيف العقوبات القاسية. غير أن التعذيب الجائز قانونا لم ينته لمجرد أن القضاة ضاقوا ذرعا به أو أن كتاب عصر التنوير عارضوه في نهاية الأمر. لقد انتهى التعذيب لأن الإطار التقليدي للألم وكينونة الإنسان كفرد قد انهار ليحل محله بالتدريج إطار جديد يمتلك فيه الأفراد أجسادهم، ويمتلكون الحق في الانفصال وعدم انتهاك حرمة أجسادهم، ويدركون أن للآخرين نفس العواطف والأحاسيس ومشاعر التعاطف كأنفسهم تماما. ولنعد إلى دكتور راش مرة أخيرة إذ يقول: «الرجال، بل وربما النساء، الذين نمقتهم [المجرمين المدانين] لهم أرواح وأجساد مكونة من نفس العناصر التي تتكون منها أرواح وأجساد أصدقائنا وذوينا.» إذا تأملنا في بؤسهم «دون مشاعر أو تعاطف»، فعندئذ «سيتوقف مبدأ التعاطف نفسه عن العمل تماما؛ و... سرعان ما سيفقد مكانه في قلب الإنسان».
50
الفصل الثالث
Página desconocida