El origen de la filosofía científica
نشأة الفلسفة العلمية
Géneros
لو أنارت عقله وساعدته على الاهتداء إلى اليقين المطلق. وهو يروي أن الاستنارة أتته عندما كان يقيم في خندق خلال حملة شتوية اشترك فيها بوصفه ضابطا، فأعرب عن شكره للعذراء بأن وفى نذره.
ويبني ديكارت برهانه على اليقين المطلق عن طريق خدعة منطقية؛ فهو يقول إنني أستطيع أن أشك في كل شيء، فيما عدا أمرا واحدا، هو أنني أشك، ولكنني عندما أشك أفكر، وعندما أفكر لا بد أن أكون موجودا. وهكذا يزعم أنه قد أثبت وجود الأنا بالاستدلال المنطقي؛ وبذلك تكون الصيغة السحرية هي: أنا أفكر؛ إذن أنا موجود. على أنني عندما أسمي هذا الاستدلال خدعة منطقية، لا أود أن أقول إن ديكارت قد تعمد أن يخدع قراءه، وإنما أود أن أقول إنه هو ذاته كان ضحية هذا النوع الخادع من الاستدلال. أما إذا تحدثنا من وجهة النظر المنطقية، لقلنا إن الانتقال الذي قام به ديكارت في استدلاله من الشك إلى اليقين هو أشبه ب «خفة اليد»؛ فهو ينتقل من الشك إلى النظر إلى الشك على أنه فعل يقوم به الأنا؛ وبذلك يعتقد أنه قد اهتدى إلى حقيقة لا يتطرق إليها الشك.
ولقد كشف التحليل الذي تم في عهود لاحقة عن المغالطة في حجة ديكارت؛ فليس لمفهوم الأنا تلك الطبيعة البسيطة التي كان يؤمن بها ديكارت؛ إذ إننا لا نرى أنفسنا بنفس الطريقة التي نرى بها البيوت والناس من حولنا. قد نتحدث عن ملاحظة أفعالنا في حالة الفكر أو الشك، غير أننا لا ندرك هذه الأفعال على أنها نواتج للأنا، وإنما على أنها موضوعات منفصلة، وعلى أنها صور تصاحبها مشاعر؛ فالقول «أنا أفكر» يتجاوز نطاق التجربة المباشرة من حيث إن هذه الجملة تستخدم لفظ «أنا».
وعبارة «أنا أفكر» لا تمثل معطى يمكن ملاحظته، وإنما هي نهاية حلقات طويلة من التفكير تكشف عن وجود «أنا» متميز عن «أنا» الأشخاص الآخرين. وكان حريا بديكارت أن يقول: «هناك تفكير.» وبذلك يوضح طريقة الحدوث المنفصل لمحتويات الفكر، وظهورها مستقلة عن أفعال الإرادة أو غيرها من الاتجاهات التي يشترك فيها الأنا، ولكن لو كان ديكارت قد فعل ذلك لما عاد استدلاله ممكنا؛ ذلك لأنه إذا لم يكن الوعي المباشر ضمانا لوجود الأنا، فلا يمكن تأكيد وجوده بيقين يزيد على يقين الموضوعات الأخرى المستمدة عن طريق إضافات مقبولة إلى معطيات الملاحظة .
ولا تكاد تكون بحاجة إلى القيام بتفنيد أكثر تفصيلا لاستدلال ديكارت؛ فحتى لو كان الاستدلال مقبولا لما أثبت الكثير، ولما كان دليلا على يقين معرفتنا بالأشياء المغايرة للأنا، وهو ما يتضح من الطريقة التي يواصل بها عرض حجته؛ فهو يستدل أولا على أن وجود الأنا يستتبع حتما وجود الله، وإلا لما كانت للأنا فكرة عن كائن لا متناه، ثم ينتقل إلى الاستدلال على أن الأشياء المحيطة بنا لا بد أن تكون موجودة بدورها، وإلا لكان الله خادعا. وتلك حجة لاهوتية تبدو غريبة حقا حين تصدر عن رياضي ممتاز مثل ديكارت. والسؤال الهام هو: كيف أمكن أن تعالج مشكلة منطقية، هي إمكان الوصول إلى اليقين، عن طريق مجموعة معقدة من الحجج قوامها بعض الخدع والتفكير اللاهوتي، وهي حجج لا يمكن أن يأخذها أي قارئ ذي عقلية علمية في عصرنا هذا مأخذ الجد؟
إن البحث النفسي للفلاسفة مشكلة تستحق من الانتباه أكثر مما يبديه بها الكتاب الذين يعرضون تاريخ الفلسفة، وإن دراسة هذا الموضوع لهي خليقة بأن تلقي على معنى المذاهب الفلسفية ضوءا أعظم مما تلقيه عليها كل محاولات التحليل المنطقي لهذه المذاهب؛ ففي استدلال ديكارت منطق هزيل، غير أننا نستطيع أن نستخلص منه قدرا كبيرا من المعلومات النفسية؛ ذلك لأن البحث عن اليقين هو الذي جعل هذا الرياضي الممتاز ينجرف في تيار هذا المنطق المتخبط. ويبدو أن البحث عن اليقين يمكن أن يعمي بصيرة المرء عن مصادرات المنطق، وأن محاولة بناء المعرفة على أساس العقل وحده كفيلة بأن تجعله يتخلى عن مبادئ التفكير السليم.
ويفسر علماء النفس السعي إلى اليقين بأنه الرغبة في العودة إلى العهود الأولى للطفولة، وهي العهود التي لم يكن يعكرها الشك، وكانت تسترشد بالثقة في حكمة الوالدين. وتقوى هذه الرغبة عادة بفضل التربية التي تعود الطفل على أن يرى في الشك خطيئة، وفي الثقة فضيلة يحض عليها الدين. وفي استطاعة من يكتب تاريخ حياة ديكارت أن يحاول الجمع بين هذا التفسير العام وبين الطابع الديني لشكوك ديكارت ، ودعائه من أجل الاستنارة، وذهابه إلى الحج، وكلها أمور تدل على أن هذا الرجل كان في حاجة إلى مذهبه الفلسفي لكي يتغلب على عقدة من الحيرة وانعدام اليقين متغلغلة فيه بعمق. وعلى الرغم من أننا لا نود القيام بدراسة مفصلة لحالة ديكارت، ففي استطاعتنا أن نستخلص منها نتيجة هامة، هي أنه إذا كانت هناك غاية محددة مقدما، تتحكم في نتيجة البحث المنطقي، وإذا جعلنا من المنطق أداة للبرهنة على نتيجة نرغب في إثباتها لسبب آخر معين، فإن منطق الحجة يصبح معرضا للخطأ والمغالطة؛ ذلك لأن المنطق لا يزدهر إلا في جو من الحرية التامة، وفي تربة لا تثقل ثمارها مخلفات الخوف والتحامل. وعلى من يبحث في طبيعة المعرفة أن يفتح عينيه جيدا، ويكون على استعداد لقبول أية نتيجة يأتي بها الاستدلال السليم، ولا يهتم إذا جاءت النتيجة مناقضة لتصوره الخاص لما ينبغي أن تكون عليه المعرفة. فعلى الفيلسوف ألا يجعل من نفسه عبدا لرغباته.
هذه النصيحة تبدو ضئيلة الشأن، ولكنها لا تبدو كذلك إلا لأننا لا ندرك مدى صعوبة اتباعها. فالسعي إلى اليقين من أخطر مصادر الخطأ؛ لأنه يرتبط بادعاء معرفة عليا. وهكذا يعد يقين البرهان المنطقي مثلا أعلى للمعرفة، ويشترط في كل معرفة أن يكون من الممكن إثباتها بمناهج تماثل المنطق في إمكان الاعتماد عليها. ولكي ندرك النتائج المترتبة على هذه النظرية، علينا أن ندرس طبيعة البرهان المنطقي بمزيد من الدقة.
يطلق على البرهان المنطقي اسم الاستنباط
deduction ؛ إذ إننا نتوصل فيه إلى النتيجة عن طريق استنباطها من قضايا أخرى تسمى بمقدمات الاستدلال. والاستدلال نفسه مركب بحيث إنه إذا صحت المقدمات وجب أن تكون النتيجة بدورها صحيحة. مثال ذلك أننا نستطيع أن نستخلص من القضيتين «كل إنسان فان» و«سقراط إنسان»، النتيجة «سقراط فان». ويكشف هذا المثل عن الطابع الفارغ للاستنباط؛ فلا يمكن أن تذكر النتيجة شيئا أكثر مما ورد في المقدمات، وإنما هي تقتصر على الإفصاح عن محتوى معين موجود ضمنيا في المقدمات؛ فهي تنزع الغلاف - إن جاز هذا التعبير - عن المضمون الذي كان مغلفا في المقدمات.
Página desconocida