الاثنان واحدًا، فبقي أن يكون التشبيه إنما يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمهما ويوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه بصفتها، وإذا كان الأمر كذلك، فأحسن التشبيه هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها، حتى يدنى بهما إلى حال الاتحاد.
ومما جاء من التشبيهات الحسان قول يزيد بن عوف العليمي يذكر صوت جرع رجل قراه اللبن:
فعبَّ دخالًا جرعُه متواترٌ ... كوقْع السحابِ بالطراف الممددِ
فهذا المشبه نما شبه صوت الجرع بصوت المطر على الخباء الذي من أدم، ومن جودته أنه لما كانت الأصوات تختلف، وكان اختلافها إنما هو بحسب الأجسام التي تحدث الأصوات اصطكاكها، فليس يدفع أ، اللبن وعصب المرئ اللذين حدث عن اصطكاكهما صوت الجرع قريب الشبه من الأديم الموتر والماء اللذين حدث عن اصطكاكهما صوت المطر.
وعند سلوك هذه السبيل في تعرف جودة التشبيه يستجاد قول جبهاء الأشجعي في تشبيه صوت حلب عنز بصوت الكير إذا نفخ:
كأنَّ أجيجَ الكيرِ إرزامُ شخبها ... إذا امتاحهَا في محلبِ الحيِّ مائحُ
وقد قال أوس بن حجر يشبه ارتفاع أصواتهم في الحرب تارة، وهمودها وانقطاعها تارة، بصوت التي تجاهد أمر الولادة:
لنا صرخةٌ ثم إسكاتةٌ ... كما طرقتْ بنفاسٍ بكرْ
ولم يرد المشتبه في هذا الموضع نفس الصوت، وإنما أراد حاله في أزمان مقاطع الصرخات، وإذا نظر في ذلك وجد السبب الذي وفق بين الصوتين واحدًا، وهو مجاهدة المشقة والاستعانة على الألم بالتمديد في الصرخة.
ومن جيد التشبيه قول الشماخ يذكر لواذ الثعلب من العقاب:
تلوذُ ثعالبُ الشرفينِ منها ... كما لاذ الغريمُ من التبِيع
وقد يختلف اللوذان بحسب اختلاف اللائذين، فأما التبيع فهو ملح في طلب الغريم لفائدة يرومها منه، والغريم بحسب ذلك مجتهد في الروغان واللواذ خوفًا من
1 / 37