إيماء موجزًا ظريفًا، أتى على كثير من المدح باختصار وإشارة بديعة، حيث قال:
رأيت ابن معنِ أنطقَ الناسَ جودهُ ... فكلَّف قول الشعرِ من كانَ مفحمَا
وأرخصَ بالعدلِ السلاحَ بأرضنا ... فما يبلغُ السيفُ المهندُ درهمَا
ومن الشعراء أيضًا من يغرق في المدح بفضيلة واحدة أو اثنتين، فيأتي على آخر ما في كل واحدة منهما أو أكثره، وذلك، إذا فعل، مصاب به الغرض في الوقوع على الفضائل، ومقصر عن المدح الجامع لها؛ لكنه يجود المديح حينئذ كلما أغرق في أوصاف الفضيلة، وأتي بجميع خواصها أو أكثرها، وذلك مثلًا في الجرأة والإقدام، كما قال الفرزدق لسالم الغداني، حين قتل قاتل أخيه، العائذ بجوار عبد الملك:
إذا كنتَ في دارٍ تخافُ بها الردَى ... فصممْ كتصميم الغدانيِّ سالِم
سخَا طلبًا للوترِ نفْسًا بموتِهِ ... فماتَ كريمًا عائِفًا للملائِم
نقيُّ ثيابِ الذكرِ من دنَس الخَنَا ... يناجِي ضميرًا مستدفَّ العزائمِ
إذا همَّ أفرَى ما بهِ همَّ ماضيًا ... على الهَوْلِ طلاعًا ثنايَا العظائمِ
ولما رأى السلطانَ لا ينصفونهُ ... قضَى بينَ أيديهمْ بأبيضَ صارمِ
أقسام المدح
وقد ينبغي أن يعلم مدائح الرجال، وهي التي صمدنا الكلام فيها في هذا الباب، تنقسم أقسامًا بحسب الممدوحين من أصناف الناس في الارتفاع والاتضاع، وضروب الصناعات، والتبدي والتحضر، وأنه يحتاج إلى الوقوف على المعنى بمدح كل قسم من هذه الأقسام.
مدح الملوك
فأما إصابة الوجه في مدح الملوك، فمثل قول النابغة الذبياني في النعمان بن المنذر:
ألم ترَ أن الله أعطاكَ سورةً ... ترَى كل ملكٍ دونَهَا يتذبذَبُ
بأنكَ شمسٌ والمُلُوكُ كواكبٌ ... إذا طلعتْ لم يبْدُ منهنَّ كوكبُ
ومثل ذلك قول نصيب في سليمان بن عبد الملك:
أقولُ لركبٍ قافِلينَ لقيتُهُمْ ... قَفَا ذاتِ أوشالٍ ومولاك قارِبُ
1 / 26