Crítica del libro del Islam y los fundamentos del gobierno
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم
Géneros
المناقشة
قال صاحب الكتاب ص23: «نسلم أن الإجماع حجة شرعية ولا نثير خلافا في ذلك مع المخالفين.»
من أول ما عني به الإسلام في تشريعه أن أطلق العقول من وثاق التقليد، وفتح أمامها باب النظر حتى تعبر إلى قرارة اليقين على طريق الحجة والبرهان، قال تعالى:
ولا تقف ما ليس لك به علم ، وقال:
إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا . وقد جرى علماء الإسلام ولا سيما السلف الصالح على هذا المنهج، فكانوا لا يتابعون ذا رأي على رأيه ولا يتقلدون حكما قبل أن يعلموا مستنده، وإذا عرفوا المستند عرضوه على قانون الأدلة السمعية، ووزنوه بميزان النظر؛ ليعلموا مبلغه من الصحة، فإذا ثبت على النقد، وسلم من وجوه الطعن رفعوه على كاهل القبول، وإلا نبذوه نبذ الحذاء المرقع غير مبالين بمقام مدعيه وإن حاكى القمر رفعة وسناء.
ومن درس مسائل الخلاف من عهد الصحابة - رضي الله عنهم - إلى العصر الذي ساد فيه القول بسد باب الاجتهاد، رأى الصحابة كيف يخالف بعضهم بعضا، ولا ينقاد صغيرهم إلى كبيرهم إلا بزمام الحجة، وسار على هذا الاستقلال وحرية الفكر التابعون فمن بعدهم، ولا يكبر على أحد من المجتهدين أن يناظر أستاذه أو من كان أوفر منه علما وأوسع نظرا، فيقارع حجته بالحجة، حتى إذا لم تمتلئ نفسه بالثقة من أدلته اجتهد لنفسه، وأقام بجانب مذهبه مذهبا. ولتجدن من هؤلاء من يبلغه مذهب الصحابي في قضية لم ينعقد عليها إجماع، فيستأنف النظر في دلائلها، ولا يكون في صدره حرج أن يخالف الصحابي، أو يرجح مذهب تابعي على مذهبه.
ومن عنايتهم بتحقيق الأحكام وإبايتهم تناولها إلا من يد الدليل القاطع أو الراجح أن دونوا الأحاديث، ونصبوا لها ميزانا يعرف به صحيحها من ضعيفها، أو ضعيفها من موضوعها، ثم وضعوا لاستنباط الأحكام أصولا، وقرروا لاستخراجها قواعد، وشرطوا في هذه الأصول والقواعد أن تكون قائمة على بينة قاطعة.
فإذا كان الإسلام قد فتح للاجتهاد والنظر في الأدلة طريقا واسعا، وكان من سيرة علمائه الراسخين نقد الأقوال وعدم السكوت عنها إلا أن تستند إلى حجة عاصمة؛ فإن القضية التي تلقى على بساط البحث والاستفتاء، وتتداولها أنظارهم حتى تستقر على حكم يقررونه بإجماع، وينطقون فيه عن تصميم، نعرف بحكم العادة معرفة لا تخالجها ريبة أن تلك القضية أخذت حظها من النظر، وأنه لم يبق فيها لمخالف وجه يلتفت إليه، وبالأحرى ما كان في عصر الصحابة الذين شهدوا الوحي ووقفوا على روح التشريع، ولم يعرفوا في قول الحق هوادة ولا محاباة.
وقد تأيد هذا النظر بطول الاختيار والاستقراء، فلتجدن كل رأي يتهجم به مبتدعه على خرق إجماع أهل العلم متداعيا إلى السقوط، بل قائما على رأسه، بحيث لا يكلفك هدمه إمعانا في نظر، أو عناء في التماس حجة.
قال أبو إسحاق الشاطبي في موافقاته:
Página desconocida