Crítica del libro del Islam y los fundamentos del gobierno
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم
Géneros
على صدقات بني سليم، وفي الحديث: «فلما جاء إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
وحاسبه.» رواه الإمام البخاري في باب محاسبة الإمام عماله، وقال الحافظ ابن حجر عند قوله «وحاسبه»؛ أي على ما قبض وصرف.
55
فإذا كان المال المفروض على الأمة في عهد النبوة مقدرا، والعامل عليه عالما، ومتى جاء به يناقش الحساب على القبض والصرف ثم ينفق في وجوه المصالح بتدبير، فهل يصح بعد هذا أن يقال: إن المالية لذلك العهد لم يكن لها نظام؟!
فإن أراد المؤلف من النظام أن يؤلف لها ديوان قلنا: كان للنبي عليه السلام كتاب معروفون، وهبهم لم يتقيدوا بمكان يختص بهم ووقت يحدد لهم، فإن هذا وحده لا يسم المالية بوصمة الخلو من النظام، ورب تقييد يعد في بعض الأزمنة نظاما، وهو في عصر آخر حيث لا تدعو إليه الحاجة عدم نظام.
وموجز القول أن نظام المالية لعهد الرسالة موافق لما يقتضيه حال ذلك العهد، ولقد كان المال يقبض بحق، ويصرف على وجه لا يدخله خلل ولا يحوم عليه شطط، قال ابن خلدون في مقدمته: «واعلم أن هذه الوظيفة - يعني ديوان الأعمال والجبايات - إنما تحدث في الدولة عند تمكن الغلب والاستيلاء، والنظر في أعطاف الملك وفنون التمهيد. وأول من وضع الديوان عمر - رضي الله عنه - يقال: لسبب مال أتى به أبو هريرة - رضي الله عنه - من البحرين، فاستكثروه وتعبوا في قسمه، فسموا إلى إحصاء الأموال وضبط العطاء والحقوق، فأشار خالد بن الوليد بالديوان وقال: رأيت ملوك الشام يدونون.»
فأنت ترى أن الحاجة إلى الديوان لم تعرض إلا في عهد الخليفة الثاني، وعندما حدثت الحاجة وجد الخليفة من قاعدة رعاية المصالح ما يحثه على المبادرة إلى أن ينشئ الديوان، ويعين له من الكتاب بمقدار ما تدعو إليه المصلحة، فإن كان المؤلف يذهب إلى أن المالية التي لم تتسع حتى تلجئ إلى إنشاء ديوان يحق له أن يصفها بعدم النظام، قلنا له: إن المقدار الذي تسمح به حالة الأمة لعهد النبوة كان يستخلص بالقسطاس المستقيم، وينفق في سد الحاجات، وإعداد القوة ووسائل المنعة، وقد خاض رجال هذه المالية حروبا فكانوا هم الغالبين، ولم يكونوا يوما في حاجة إلى قرض داخلي أو خارجي، ولم يضعوا على رقاب الأمة ضرائب فادحة مثلما تصنع الدول ذات الدواوين الطويلة العريضة، فنحن نسميها مالية تؤخذ وتصرف بنظام، وللمؤلف الذي أشلى قلمه ليلغ في عرض الحكومة النبوية أن يسميها بما شاء.
الشرط أو «البوليس»
للحكومة مقومات: قانون يخضع له الجمهور، ورجال يقومون على تنفيذ هذا القانون، وأموال تقبض وتصرف في المصالح المشتركة، وقوة من الرجال والسلاح لدفاع العدو وكبح الثورة، وما عدا هذا من المشروعات والنظم فإنما يأتي على حسب تطور الزمان وما يعرض من الحاجات.
Página desconocida