Napoleón Bonaparte en Egipto
نابوليون بونابارت في مصر
Géneros
واقعة إمبابة
على الرغم من رغبتنا الشديدة في تحاشي الخوض في تفصيل الحركات العسكرية، كما سبقت لنا الإشارة إلى ذلك، فإننا لم نر مناصا من وصف معركة إمبابة، وصفا يليق بمنزلتها من التاريخ.
حقيقة إن واقعة إمبابة، على عظيم أهميتها، لا تعد من الوقائع الفاصلة في تاريخ الجنس البشري؛ لأن المعركة التي يسمونها «الفاصلة»، هي معركة يترتب على نتيجتها تغيير كبير في الأمم والدول، وأنه لو تمت على خلاف ما تمت، لكان الفرق هائلا، وربما غير سطح البسيطة بسبب ذلك.
وللمؤرخين اهتمام بالمواقع الفاصلة في التاريخ، ولهم فيها كتب خاصة، ولا بأس أن نذكر على سبيل الاستئناس أن من الوقائع الفاصلة في تاريخ الجنس البشري واقعة اليرموك، وواقعة القادسية ... الأولى قضت على السلطة الرومانية المسيحية، في آسيا الصغرى، والثانية قضت على الدولة الفارسية، والديانة الزردشتية، ومن هذه الوقائع الفاصلة في التاريخ القديم، واقعة ثرمويلي، بين الفرس واليونان، وفي تاريخ القرون الوسطى، واقعة فتح القسطنطينية، وواقعة لزتداد السيل التركي حول فينا، ومن هذه الوقائع أيضا في تاريخ الإسلام، واقعة عبد الرحمن الثالث مع «شارل مارتيل» في سهول «طورس»، ومنها في تاريخ أوروبا وأترلوا، وسيدان، والمارن.
ولا تعد واقعة إمبابة من الوقائع الفاصلة؛ لأنه لو تغير «الطابق»، وقهر نابوليون فيها، لأمكنه الرجوع إلى الوراء ريثما ينظم نفسه، ويعيد الكرة، وكان في إمكانه على فرض فشله نهائيا، أن يعود إلى سفنه في الإسكندرية بعد أن يخسر ربع أو نصف جيشه، ولم يكن نلسون قد حطم العمارة في أبي قير وقتئذ، اللهم إلا إذا كان انتصار المماليك في إمبابة حاسما بالقضاء المبرم على نابوليون وجيشه، ولم يك ذلك من الأمور التي تدخل في حيز الممكنات، ويضعها المؤرخون المدققون موضع الاهتمام، لما كان ثمت من الفرق العظيم بين كفاءة القواد ونظام الجنود، والفرق بين الأسلحة، ولكن لو حدث ذلك على فرض المستحيل ، كما يقولون، إذا كانت تعد واقعة إمبابة من الوقائع الفاصلة الهائلة، وإذا لما كانت الإمبراطورية الفرنسوية الأولى، ولا الثانية، ولما كانت مواقع أوسترلينز، وجنا، ومارنجو، وواترلو، ولما كان ثمت من ضرورة للإتيان بجيش عثماني، ولا انتقل محمد علي من بلدته قوله، ولعاش ومات لا يعرفه إلا «أهل بلده» كما يقال في الأمثال. •••
لم تصل أخبار معركة إمبابة للمؤرخ الجبرتي، وهو صحفي تلك الأيام، إلا متقطعة من أفواه الناجين من الجند والكشاف والمماليك، ولذلك كانت روايته عنها مضطربة، فبينما يقول: إن الحرب والقتال استمر ثلاثة أرباع الساعة، تراه يناقض نفسه فيقول: إن الحرب بدأت من وقت القائلة «حوالي الساعة عشرة أو أحد عشر صباحا»، ثم يذكر أن الحرب استمرت إلى المساء تقريبا، فنحن أمام هذا التناقض في المصادر العربية، نعتمد على الروايات الفرنسية، وعلى مذكرات نابوليون ومذكرات بوريين وأشباهه، وخلاصة أقوالهم تظهر فيما يأتي:
كانت قوة المماليك من مشاة وخيالة، ممتدة بين إمبابة ونقطة الأهرام، بحيث كان جناح هذا الجيش الأيمن مؤلفا من نحو عشرين ألفا من الإنكشارية والجندرمة، والالداشات والرجالة والعربان، وهذا الجناح قائم وراء خناق أو متاريس أقاموها بسرعة كبيرة في خلال الأيام الأربع منذ عودة مراد بك إلى إمبابة، وكان مع هذا الجناح من المشاة نحو أربعين مدفعا من طراز قديم، مثبتة على أرصفة أعدت لذلك، بحيث لا يستطاع نقلها من جهة إلى أخرى، ولا تحويل طلقاتها إلى اتجاه مخصوص غير ما أعدت له، بخلاف مدافع الفرنساويين، التي هي من نظام حديث، وتجرها الخيول، وتحملها الجنود، من مكان إلى آخر حيث تقضي به مصلحة الموقعة، وهذا الجناح الأيمن مرتكز على شاطئ النيل شمالي قرية إمبابة، ثم يتألف قلب الجيش من نحو عشرة آلاف مملوك، ونحو ألفين من الأغوات والشوربجية، وبعض الخيالة من المصريين، ومع كل طائفة أتباع وخدم، وكان على الجناح الأيسر بضع آلاف من العربان الخيالة منتشرين إلى نقطة الأهرام.
وكانت السفن المصرية التي كانت في واقعة شبراخيت، وما انضم إليها من الغلايين ممتدة في النيل من إمبابة إلى بولاق، ووراءها سفن وقوارب عديدة واقعة شراعها، حتى كان المنظر في البقعة، الواقعة من إمبابة إلى الجيزة من جهة الغرب، ومن بولاق إلى مصر العتيقة من جهة الشرق، في نهر النيل ذلك اليوم، مما يأخذ بالأبصار حتى وصفه أحد الكتاب الفرنسيين فقال: إن تلك المنطقة بهاتيك الأشرعة كانت كأنها غاية باسقة الأشجار ... وعلى الضفة المقابلة لإمبابة؛ أي: على شاطئ بولاق وما وراءه من جهة قصر النيل والقصر العيني إلى مصر العتيقة، خرج سكان القاهرة رجالا ونساء، وأرباب الطرق والأشاير، بالطبول والزمور كأنهم في مولد من الموالد المشهورة في مصر.
ولم نقف على بيان واف للنظام الذي وضعه إبراهيم بك للجنود التي بقيت لحماية القاهرة؛ ذلك لأن هذه الجنود لم تفد فائدة، ولأن ما وضع من النظام من الجهة الشرقية لم يؤد إلى نتيجة، وكل ما نعرفه في هذا الصدد إن إبراهيم بك أرسل إلى العربان المجاورين لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة بنواحي شبرا وما ولاها.
وعلى هذا النظام في البرين، الغربي والشرقي، كان الجيش المصري - إن صح أن يسمى بالمصري - معسكرا انتظارا لقدوم الجيش الفرنساوي.
Página desconocida