Napoleón Bonaparte en Egipto
نابوليون بونابارت في مصر
Géneros
ويظهر حقيقة أن الشعب المصري كان متأثرا من اعتقال ابن القاضي حتى إن الفرنساويين رأوا من الضروري، على رواية الجبرتي، عندما أفرجوا عن ذلك الفتى، «أن يركب مع أرباب الديوان والأغا وساروا به وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال».
وسرعان ما فعل ذلك نابوليون حتى أتبع خروج ابن القاضي من سجن القلعة بمنشور طبعه ووزعه وألصقه بالأسواق كرد على خطاب العلماء، وقد ترك لنا الجبرتي صورة هذا المنشور كعادته في جمع ما طبع ووزع، وعدم وصول يده إلى غير ذلك، مما كتبه أعضاء الديوان، ولما كان هذا المنشور على جانب من الأهمية؛ لأنه يشرح سياسة نابوليون ورأيه في مسألة القضاء الشرعي رأينا أن نأتي على أهم ما جاء فيه، قال:
من ساري عسكر الكبير بونابرته أمير الجيوش الفرنساوية محب أهل الملة المحبوبة، خطابا إلى السادات العلماء أنه وصل لنا مكتوبكم بشأن القاضي فنخبركم أن القاضي لم أعزله، وإنما هو هرب من إقليم مصر وترك أهله وأولاده وخان صحبتنا من المعروف والإحسان الذي فعلناه معه، وكنت استحسنت أن ابنه يكون عوضا عنه في محل الحكم في مدة غيبته، ولكن ابنه لم يكن قاضيا متواليا للأحكام على الدوام؛ لأنه صغير السن وليس أهلا للقضاء، فأنا لا أحب مصر خالية من حاكم شرعي يحكم بين المؤمنين، فاستحسنت أن يجتمع علماء المسلمين ويختاروا باتفاقهم قاضيا شرعيا من علماء مصر وعقلائهم لأجل موافقة القرآن العظيم باتباع سبيل المؤمنين، وكذلك مرادي أن حضرة الشيخ العريشي الذي اخترتموه جميعا أن يكون لابسا من عندي وجالسا من المحكمة، وهكذا كان فعل الخلفاء في العصر الأول باختيار جميع المؤمنين ... وسبب رفعنا لابن القاضي «رفعه للقلعة؛ أي: اعتقاله» سكون الفتن والإصلاح بين الناس، وأعرف أن أباه ما كان يكرهني، ولكنه ذهب عقله وفسد رأيه، وأنتم يا أهل الديوان تهدون الناس إلى الصواب والنور من جنابكم لأهل العقول، فعرفوا أهل مصر أنه انقضت وفرغت دولة العثمانلي، من أقاليم مصر وبطلت أحكامها منها، وأخبروهم أن حكم العثمانلي أشد تعبا من حكم الملوك وأكثر ظلما، والعاقل يعرف أن علماء مصر لهم عقل وتدبير وكفاية وأهلية للأحكام الشرعية يصلحون للقضاء أكثر من غيرهم في سائر الأقاليم، وأنتم يا أهل الديوان عرفوني عن المنافقين المخالفين أخرج من حقهم
1
لأن الله تعالى أعطاني القوة العظيمة لأجل ما أعاقبهم فإن سيفنا طويل ليس فيه ضعف، ومرادي أن تعرفوا أهل مصر أن قصدي بكل قلبي حصول الخير والسعادة لهم مثل ما هو بحر النيل أفضل الأنهار وأسعدها، كذلك أهل مصر يكونون أسعد الخلائق أجمعين، بإذن رب العالمين. ا.ه.
ومع أن نابوليون قد أكد على المشايخ في خطابه الذي وجهه إليهم أن يكون القاضي الذي ينتخبونه من أهل مصر ومولودا بها، فإن الشيخ أحمد العريشي لم يكن مصري الأصل؛ لأنه في الواقع ونفس الأمر سوري، ولد في بلدة خان يونس واسمه أحمد اللجام الخانيونسي أو اليونس، وقدم إلى الدار المصرية عام 1187ه؛ أي: قبل هذه الحوادث بنحو اثنين وعشرين سنة، وتلقى الدروس بالأزهر والتصق بابن بلدته الشيخ عبد الرحمن اليونسي الملقب بالعريش أيضا، وحضر الفقه على الشيخ حسن الجبرتي، والد الشيخ عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ، ثم تولى بعد الشيخ عبد الرحمن العريشي مشيخة رواق الشوام، وكان يسكن في دار واسعة بسوق الزلط، وقال عنه الجبرتي: إنه كان فصيحا مستحضرا منضلعا من المعقولات والمنقولات وتوفي سنة 1218 هجرية. (2) استعداد الإنكليز والترك
لم يكن ليكفي إنكلترا إخفاق نابوليون في غاراته على سوريا، أو فشله في مشروع تأسيس مملكة شرقية يسطو بواسطتها على الهند، بل بقيت إنكلترا مصممة على إخراج مصر من سلطة الفرنساويين، ولم تكن إنكلترا وحدها بقادرة على ذلك لصغر جيشها، وعدم إمكانه مجاراة الجيش الفرنساوي المدرب الذي يقوده نابوليون، نابغة الحرب في ذلك الزمان.
صحيح أنها سدت في وجهه السبل، وحطمت سفنه، وحالت بينه وبين بلاده إلا أن نابوليون قد أظهر في غارته على سوريا، ومقدرته على البقاء في مصر، أنه قادر بمن معه من الجيوش والقواد والعلماء أن يغير مركز مصر، ويرقي مواردها الطبيعية، ويصلح من شئونها الإدارية، بحيث يستطيع أن يوجد على ضفاف النيل دولة جديدة قوية ينشئ فيها السفن في البحر الأحمر، ويغير على الهند أو غيرها متى توفرت معداته، هذا عدا أن وجوده في مصر معطل لسير التجارة الإنكليزية، ولمشروعات إنكلترا الإمبراطورية، وإذا كان محمد علي الأمي، بلا قواد عظماء ولا علماء فضلاء، ولا مشرعين ولا مخترعين، استطاع بعد ذلك بعشرين عاما أن يوجد من مصر الأساطيل والجيوش، فهلا كان في استطاعة نابوليون ومن معه، إذا بقوا في أرض مصر، أن يفعلوا فعله؟ لا شك في أن ذلك هو ما كان يفكر فيه نابوليون بعد واقعة أبي قير البحرية، كما صرح بذلك في كثير من أقواله.
ولم يكن لدى إنكلترا من الوسائل إلا استخدام الفكرة الإسلامية، وتحريض الدولة العثمانية والمماليك الذين اغتصب نابوليون الحكم من أيديهم، لمقاومة الفرنساويين وتكدير صفو عيشهم في أرض مصر حتى يتركوها، إما بالقهر وإما بالرضا والصلح، فلما تم اتفاق إنكلترا مع الدولة العثمانية وعاد نابوليون بالفشل من سوريا وضعت إنكلترا خطة لاحتلال مصر بواسطة الجيوش العثمانية في البر، وأسطولها تحت قيادة السر سدني سميث في البحر.
وكانت تلك الخطة تقضي بأن تبعث الدولة العثمانية جيشين، أحدهما تنقله السفن العثمانية والإنجليزية من رودس والموانئ العثمانية إلى أبي قير، والجيش الثاني يزحف من سوريا وتكون مقدمته مؤلفة من إبراهيم بك ومماليكه، ومن ينضم إليه من جيش الجزار، وإتماما لضمان نجاح هذا المشروع تقرر الاتفاق مع المماليك الموجودين في مصر تحت إمرة مراد بك وغيره من كبار الزعماء، مثل عثمان بك الطنبرجي وعثمان بك الشرقاوي وحسن بك الجداوي وغيرهم، ووضعت لذلك خطة مقتضاها أن يكون مراد بك مستعدا بجيشه في مديرية البحيرة وأن يكون عثمان بك الشرقاوي بعزوته ومماليكه في الشرقية، فالأول يلتقي بالجيش العثماني القادم بحرا إلى أبي قير، والثاني ينضم إلى الجيش القادم من سوريا عن طريق العريش.
Página desconocida