Napoleón Bonaparte en Egipto
نابوليون بونابارت في مصر
Géneros
وفي يوم 22 تقابلت فصيلة الهوسار السابعة تحت قيادة القومندان دوبلسي بجيش العدو قريبا من أسوار قرية سمهود، وبعد قليل وصل الجنرال ديزيه فأمر مشاته أن يؤلفوا مربعين متساويين، وضع أحدهما على اليمين والآخر على اليسار، وجعل الفرسان في الوسط يؤلفون مربعا آخر وليكونوا في حمى المشاة، ومع ذلك تقدم العدو على المربعات كلها بدون خوف وأحاط فرسانهم وهم كثيرو العدد بالقوة الفرنسية وألقت جماعة من المشاة مؤلفة من عرب ينبع بأنفسها في القناة وبدأت تطلق النار بشدة، فكبدت ميسرة الفرنسيين خسائر فادحة، وحينذاك اضطر الجنرال ديزيه أن يأمر ضابطي أركان حربه وهما راب وسافاري بالهجوم على العرب ومعهما كوكبة من فرقة الفرسان السابعة من الهوسار، بينما أمر فرقة حملة القرابينات الحادية والعشرين أن تتقدم تحت قيادة الكابتين كليمانت على شكل طابور إلى القناة لتحصر قوة العدو، فنفذ ذلك الأمر بشجاعة نادرة، واضطر العرب إلى الفرار من وجه القوة الفرنسية تاركين خمسة عشر قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى، ولم يفقد من فرقة حملة القرابينات غير رجل واحد أصيب بطعنة خنجر عندما أراد أن ينزع علما من أيدي الأعراب وسقطت سمهود في قبضة الفرنسيين، ومع ذلك بقيت عصابات عديدة من المماليك تتقدم صائحة صياحا مزعجا يعاونها عرب ينبع، وهي تريد استرداد سمهود من أيدي الفرنسيين، ولكن فرقة حملة القرابينات الحادية والعشرين تصدت لهم وأصلتهم نارا حامية واضطرتهم إلى التقهقر بعد أن كبدتهم خسائر فادحة، وفي ذلك الوقت انقض المماليك على المربع الذي كان تحت قيادة الجنرال فرانيت، بينما كانت فرقة من مشاتهم تضايق الفرقة التي كان يقودها الجنرال بليارد، غير أن نيران المدفعية الفرنسية الحامية قضت على تلك الجهود التي كان يبذلها العدو حتى اضطر بعد هجوم لم ير فائدة منه أن يولي الأدبار تاركا عددا كبيرا من القتلى والجرحى.
ثم صدر الأمر للجنرال ديفو أن يحمل على المماليك الذين كانوا تحت قيادة مراد بك وحسن بك فصدع الجنرال بالأمر وحمل على جيش مراد بك حملة صادقة، حتى اضطره للتقهقر فكان تقهقر مراد بك علامة التقهقر العام.
وهرب العدو والفرنسيون يعملون السيف في أقفيته مدة أربع ساعات، ولم يقف الفرنسيون إلا في فرشوط حيث وجدوا عددا عظيما من رجال العدو قد قضوا نحبهم، وهم متأثرون من جراحهم، ولم يفقد من الفرنسيين في تلك المعركة غير أربعة رجال، أما المماليك فقد قتل منهم أكثر من مائتين وخمسين رجلا بخلاف الجرحى الذين لا يحصى لهم عدد.
وأراد الجنرال ديزيه أن يقتفي أثر مراد بك في اليوم الثاني، ولكن العدو كان يحارب في بلاده وهو يعرف مسالكها جبالها ووهادها، أما المشاة والفرسان الفرنسيون فقد كان أنهكهم التعب ولا يستطيعون جر مدافعهم الثقيلة فاضطر الجنرال ديزيه أن يأمر جيشه بالمبيت في فاو يوم 22 وفي يوم 23 واصل الزحف حتى وصل دندره وعسكر بجيشه في خرائبها.
وفي يوم 24 زحف وسط سلسلة جبال ليبيا مخترقا وادي النيل، فشاهد على بعد آثار طيبة وهياكلها ذات المائة باب وفي 25 يناير بات الجيش الفرنسي بين الجبلين ووصل في يوم 26 إلى لسنا وكان المماليك يفرون أمام الجيش المنتصر، وهم يحرقون في طريقهم كل ما كان معهم من الخيام والمعدات بعد أن تفرقت جموعهم أيدي سبا.
أما مراد بك وحسن بك ففرا إلى بلاد البرابرة والتجأ فيها الألفي بك فاحتل الجنرال ديزيه أسنا، وأنشأ فيها استحكامات وبنى المخازن والأفران لصنع الخبز اللازم للجنود ومستشفى لتمريض الجرحى والاعتناء بالمرضى، وبقي الجنرال فرانيت مع فرقته في إسنا لمراقبة الألفي بك وحسن بك قائد أشراف ينبع، واجتاز الجيش أدفو وهي مدينة كبيرة على بعد عشرة فراسخ من إسنا، وكان ديزيه مجدا في مقابلة العدو يروم الإسراع في التنكيل به والقضاء على قواته، فاجتاز الجبال التي يجري بينها النيل، وكانت الجنود تسير بصعوبة وقد أنهكها التعب حتى وصلوا إلى قرية بنيان وباتوا فيها، وفي 12 فبراير عسكر الجيش الفرنسي في قرية أسوان وهي على الضفة الشرقية، وفي 3 فبراير تركها عابرا النهر وعسكر قبالتها، وهناك يبلغ عرض النيل 500 توان «مقياس طوله ستة أقدام أو 1,949 متر» وعندما ترك ديزيه الضفة اليسرى للنيل في المرة الأولى، بقي المماليك عليها؛ لأن الوادي هناك عريض بينما كانت المناورات الحربية مستمرة على الضفة اليمنى ومنها يستطيعون الوصول إلى سواحل البحر الأحمر.
وفي اليوم ذاته تمكنت فصيلة من الوصول إلى جزيرة أنس الوجود، وهي آخر حدود المملكة الرومانية القديمة، فوجدت بقرب شلالات النيل نحو خمسين قاربا محملا بأمتعة المماليك اضطروا لتركها أثناء فرارهم، ورفعت راية مثلثة الألوان على صخرة عالية هناك، حياها الجنود بين أصوات الأبواق ودق الطبول، وتناول الخطباء الكلام فشبهوا الفرنسيين بالرومانيين الذين امتلكوا مصر من أقصاها إلى أقصاها ، وكان الجنرال ديزيه ينوي أن يقيم معسكرات للجنود في البلاد من قرية أسوان إلى جرجا حتى يضمن إخلاد البلاد إلى السكينة، فترك في قرية أسوان الجنرال بليارد مع فصيلة من المشاة وغادر ديزيه سائرا بفرسانه، وقد قسمهم قسمين، أحدهما على ضفة النيل اليسرى، والآخر على ضفته اليمنى حتى وصل إلى إسنا في اليوم التاسع من شهر فبراير.
واضطر الجوع حسن بك أن يترك بلاد البرابرة ويغادرها مع أفراد أسرته ونسائه وأمتعته وكنوزه وثروته، ولكي يخلي محلا لمراد بك فإنه ذهب إلى ضفة النهر اليمنى حيث كان له أعوان ويملك هناك قرى، ولما علم الجنرال ديفو أن حسن بك اقترب من طيبة رأى أن يعبر النيل مع فرقة الرماة الثانية والعشرين وفصيلة الدراجون الخامسة عشر وفاجأه في يوم 12 فبراير.
ولما رأى حسن بك أنه لم يعد في استطاعته أن يعسكر في الوادي اضطر أن يفر إلى الصحراء ونزل هناك بجنوده.
واحتل الجنرال ديزيه إسنا ونشر أعلام الأمن والسكينة وعمل على تنظيم الأقاليم ورفع لواء العدالة، ولما علم من الرسل الذين أتوه من جهات مختلفة أن مراد بك غادر مكانه وابتعد عنه قاصدا إسنا وأسيوط، وأن الألفي بك ترك الواحات، وأن الأشراف وحسن بك خرجوا من الصحراء ونزلوا على ضفة النيل اليمنى، أسرع بالقضاء على مشروعات أعدائه فأمر الجنرال باليار أن يغادر أسوان ويذهب إلى إسنا مع كل جيوشه، ليقطع على الأعداء خط الرجعة وليملك ناصية الصعيد، وأمر الجنرال فرانيت أن يجمع جنوده ويسير بهم إلى أسيوط، وأمر العمارة البحرية أن تسير في النيل متبعة أثر الجنرال فرانيت الذي سافر بنفسه في 2 مارس ليضع يده على أسيوط قبل أن يصلها مراد بك، وقبل أن تتصل قواته بقوات الألفي، فوصل الجنرال فريانت إلى الصوامعة في يوم 5 مارس وكان هو في مقدمة الجيش، وقد أمر أن يهيأ مسكن لجنوده ودخل إلى هذه المدينة فقوبل بإطلاق النار من البنادق؛ إذ كان يحتل هذه البلدة نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف مقاتل من الفلاحين العصاة، فهجم عليهم الجنرال فرانيت من ثلاثة جهات حتى اضطر كثير منهم أن يرموا بأنفسهم في النيل وفي الغداة واصل الجنرال السير إلى جرجا فأسيوط حيث انضم إلى الجنرال ديزيه.
Página desconocida