قوله: (فالأكثر أنه مقدر بجملة) يعني ما وقع من الظرف والحرف معا، لأنهم يطلقون معا اسم الظرف، نحو(زيد خلفك) و(زيد في الدار) فإنه يجب ذكر تقديم العامل، لأن الظرف معمول، والمعمول لابد له من عامل، ولكن لا يظهر، لأن الظرف قد صار كالعوض عنه، وأجاز ظهوره بعضهم محتجا بقوله تعالى: {فلما رآه مستقرا عنده} (1) ولا حجة لهم فيها لأن (عنده) يتعلق بالرؤية لا خبر، و(مستقرا) حال لأن الظرف والحرف يتعلقان بمحذوف، حيث يقعان خبرا لمبتدأ، أوصلة لموصول أوصفة لموصوف، أوحالا لذي حال(2)، وما عدا ذلك متعلقا فيه بموجود أوما هوفي حكم الموجود، واختلف ما المقدر ؟ فزعم ابن السراج(3) أنه لا يحتاج إلى تقدير، لأن الكلام تام ولأنه لا يجوز ظهوره، لأنه يقال (إن في الدار زيدا) ولا يجوز (إن استقر) ولا مستقر في الدار زيد، وذهب الأخفش(4) وطاهر(5)، وروي عن سيبويه(6)، أنه بقدر بمفرد اسم فاعل لأنه أصل الخبر الإفراد، ولأنه قد ظهر مفردا حيث ظهر، وتقديره حاصل أومستقر، وقال الفارسي(7)، والزمخشري(8)، والمصنف (9) روي عن سيبويه أيضا أنه يقدر فعل، تقديره (حصل) أو(استقر)(10) وحجتهم أنه عامل في الظرف، وأصل العمل للأفعال، ولأن الصلة لا تقدر إلا بجملة، ومنهم من جمع بين القولين، فقال: تقدر في الصلة جملة، وفي ما عداها مفرد، وعلى كلا التقديرات، لما حذف الفاعل انتقل الضمير الذي كان فيه إلى الظرف، على كلام الفارسي(1) ومن تابعه، ويقال إنه مرفوع بالظرف مجازا، وكذلك الظاهر، نحو(زيد في الدار أبوه) مرفوع بالظرف مجازا ومحل الظرف الرفع، وقال السيرافي: (2) هوباق في المحذوف [ظ30] ومحل الظرف النصب.
وجوب تقديم المبتدأ
قوله (وإذا كان المبتدأ مشتملا على ما له صدر الكلام) يعني أن أصل المبتدأ التقديم، لأنه محكوم عليه، والخبر التأخر، لأنه محكوم به، وقد تعرض أشياء توجب تقديمه، فذكر الشيخ أربعة:
الأول قوله: (إذا كان المبتدأ مشتملا على ماله صدر الكلام) وإنما قال مشتملا ولم يقل له صدر الكلام لعمومه، إذ قد يكون مشتملا على ما له صدر الكلام وليس بصدر، نحو: (غلام من ضربت) ؟ والذي له صدر الكلام، ضمير الشأن(3)، والاستفهام، وأسماء الشرط، وكم الخبرية، والمضاف إلى أحدهما، ما خلا ضمير الشأن، فإنه لا يضاف إليه لإبهامه، ولام الابتداء، والنفي، والتعجب، وما خرج مخرج المثل مثاله: {هوالله أحد}(4) (ومن جاءك)؟ و(من تكرم أكرم) و(وكم رجل ضربت) ؟ و(غلام من جاءك) و(غلام من تضرب أضرب) و(غلام كم رجل ضربت) و(لزيد قائم)، (ما أحسن زيدا) و(ما زيد قائم)، (وسلام له) و(ويل له).
Página 217