فصل في دفع توهم الدور المحال من ترتب في الطبيعة يوهم ذلك
واعلم أن في الكائنات أمورا بعضها علل لبعض في الدور - فكذلك القياسات التي تكون منها تدور دورا مثل إنه لم كانت السحابة فقيل لأنه كان بخار فقيل لم كان بخار فقيل لأن الأرض كانت ندية وفعل فيها الحر فقيل لم كانت الأرض ندية فقيل لأنه كان مطر. ثم قيل لم كان مطر فقيل لأنه كان سحاب فينتج من هذا أنه كان سحاب لأنه كان سحاب ومن أوساطه أنه كان سحاب وإن كان هناك وسائط أخرى ولكن لا فرق في البرهان الدوري بين أن يكون حد قد وقع مكررا بلا واسطة بين طرفي تكراره - أوقع مكررا بين طرفي تكراره وسائط ولكن المثال الذي أوردناه ليس في الحقيقة دورا لأن السحاب الواقع حد أكبر والسحاب الواقع حدا أوسط ليس واحدا بالذات بل بالنوع وليس هذا مما يجعل القياس دورا لأن الدوري هو أن يؤخذ الشيء في بيان نفسه لا أن يؤخذ مساويه في النوع في بيانه وهو غيره بالذات فصل في كيفية دخول العلل الخاصة في البرهان العلل التي هي أخص من المعلول وتكون حدودا وسطى في البرهان وهو مثل كون السحاب عن تكاثف الهواء بالبرد وعن انعقاد البخار والزلزلة عن حدوث ريح أو انحطاط أعالي وهدة أو اندفاع سيل في باطن الأرض والرعد عن ريح وعن انطفاء دخان ناري والحمى عن عفونة وعن حرارة روح بلا عفونة فقد يمكن أن تجتمع لهذه العلل الخاصية معنى عام يكون محمولا عليها فيكون لذلك أقرب من المعلول ويكون علته المساوية له وقد لا يجتمع لا أنه يذهب الأمر في ذلك إلى غير نهاية لكنه يقف عند عام لا واسطة بينه وبين تلك الخواص ومعلوم أنه لا يمكن حينئذ أن توجد علة مساوية للحد الأكبر فما كان من العلل الخاصية لا يوجد بينها وبين الحد الأكبر وبين ما هو أعم منها مساو للأكبر فلا يمكن أن تجعل حدودا وسطى إلا لموضوعات لها أخص أيضا من الأكبر فلا تكون علل وجود الأكبر على الاطلاق بل علل وجوده للأصغر الأخص فإن الحمى المطلقة ليست معلولة للعفونة بل حمى هذا الانسان أو حمى أصحاب الغب وكذلك النوع ليس علة وجود الجنس مطلقا بل لما هو تحت النوع من شخص أو نوع دونه وما كان يوجد له معنى عام فإن حمل الأكبر على الحدود الوسطى التي هي أخص لا يكون أولا ولكن بتوسط العام مثل أن هذه الشجرة ينتثر ورقها وهي تينة وأخرى وهي خروع وأخرى وهي كرم وتكون العلة
Página 74