241

بمثاله وهيئته ومنخرطا في سلكه وصائرا من جوهره وإذا قيس هذا بالكمالات المعشوقة التي للقوى الأخرى وحد في المرتبة التي بحيث يقبح معها أن يقال إنه أتم وأفضل منها بل لا نسبة لها إليه بوجه من الوجوه فضيلة وتماما وكثرة وسائر ما يتفاوت به لذائذ المدركات مما ذكرنا - وأما الدوام فكيف يقاس الدوام الأبدي بالدوام المتغير الفاسد. وأما شدة الوصول فكيف يكون حال ما وصوله بملاقاة السطوح بالقياس إلى ما هو سار في جوهر قابله حتى يكون كأنه هو هو بلا انفصال إذ العقل والمعقول والعاقل شيء واحد أو قريب من الواحد. وأما أن المدرك في نفسه أكمل فأمر لا يخفى وأما أنه أشد إدراكا فأمر أيضا تعرفه بأدنى تذكر لما سلف بيانه. فإن النفس النطقية أكثر عد مدركات. وأشد تقصيا للمدرك وتجريدا له عن الزوائد الغير الداخلة في معناه إلا بالعرض. وله الخوض في باطن المدرك وظاهره. بل كيف يقاس هذا الإدراك بذلك الإدراك أو كيف تقاس هذه اللذة باللذة الحسية والبهيمية والغضبية ولكننا في عالمنا وبدننا وانغماسنا في الرذايل لا نحس بتلك اللذة إذا حصل عندنا شيء من أسبابها كما أومأنا إليه في بعض ما قدمنا من الأصول ولذلك لا نطلبها ولا نحن إليها - اللهم إلا أن نكون قد خلعنا ربقة الشهوة والغضب وأخواتهما من أعناقنا وطالعنا شيئا من تلك اللذة فحينئذ ربما تخيلنا منها خيالا طفيفا ضعيفا وخصوصا عند انحلال المشكلات واستيضاح المطلوبات النفيسة ونسبة التذاذنا هذا إلى التذاذنا ذلك نسبة الالتذاذ الحسي بتنشق روائح المذوقات اللذيذة بتطعمها بل أبعد من ذلك بعدا غير محدود. وأنت تعلم إذا تأملت عويصا يهمك وعرضت عليك شهوة وخيرت بين الطرفين استخففت بالشهوة إن كنت كريم النفس: والأنفس العامية أيضا كذا فإنها تترك الشهوات المعترضة وتؤثر الغرامات والآلام الفادحة بسبب افتضاح أو خجل أو تعيير أو شوق لغلبة وهذه كلها أحوال عقلية فبعضها يؤثر على المؤثرات الطبيعية ويصبر لها على المكروهات الطبيعية. فيعلم من ذلك أن الغايات العقلية أكرم على الأنفس من محقرات الأشياء فكيف في الأمور النبيهة العالية إلا أن الأنفس الخسيسة تحس بما يلحق المحقرات من الخير والشر ولا تحس بما يلحق الأمور النبهية لما قيل من المعاذير - وأما إذا انفصلنا عن البدن وكانت النفس منا قد تنبهت وهي في البدن لكمالها الذي هو معشوقها ولم تحصله وهي بالطبع نازعة إليه إذ عقلت بالفعل أنه موجود إلا أن اشتغالها بالبدن كما قلنا قد أنساها ذاتها ومعشوقها. كما ينسي المرض الحاجة إلى بدل ما يتحلل. وكما ينسي المرض الاستلذاذ بالحلو واشتهاءه وكما تميل

Página 241